كتاب المقالات الإيرانية بقلم ميشيل فوكو..كان موقفُ «ميشيل فوكو» من الحداثة هو الذي أفضى به إلى مشروعٍ صحافي لدراسة الحدث الثوري الإيراني؛ فبدا تلميذًا لنيتشه ومتمرِّدًا عليه، فى آنٍ معًا؛ فقد التقط من نيتشه التزامه بـ«تجاوز الذات»، غير أنه سيَّس ذلك النشاط، الذي اقتصر ميدانه عند نيتشه على العالم الجوَّاني؛ ليتجلَّى عند فوكو انتهاكًا للممارسات الاجتماعية والذهنيَّات السائدة. وعلى هذا المستوى النقدي الجمالى، للحداثة الغربية؛ استقبل فوكو الإسلام بوصفه خبرةً سياسيةً–أخلاقيَّة عبر كتاباته عن الحدث الثوري الإيراني.
ومن هنا، كانت دراسة فوكو للحدث الثوري الإيراني مرتبطةً أشدَّ الارتباط بسؤال كانط القديم: «ما الاستنارة؟»؛ ذلك أن الثورة هى ذروة مُنحنى الذاتيَّة السياسيَّة الحداثيَّة. لقد أضاف فوكو الإسلام إلى معادلة الحداثة، واستطاع أن يرى فيه حلًّا لمعضلتها الرئيسة؛ وهي: غياب «الروحانيَّة السياسيَّة»، ذلك العامل الذي يُتَجَاهل فى سياق الحداثة ومشكلاتها الفلسفية والسياسيَّة. إن الإسلام، بروحانيته السياسيَّة الديناميكيَّة؛ يطرح بديلًا للشكل المهيمن للذاتيَّة الماديَّة الغربيَّة، من خلال تأسيس ذاتيَّة روحانيَّة تتشكَّل في صيرورة الممارسات الدينيَّة للإسلام.
ولعل أهم ما تنطوي عليه هذه المقالات إدراك فوكو للكيفيَّة التي استطاع الإسلام من خلالها، فى غمار الحدث الثوري في إيران؛ تصفية السياسة اللاروحانيَّة، وتعريف كل من السياسي والروحي من خلال الآخر؛ من أجل إفساح الطريق لحياةٍ سياسيَّةٍ جديدةٍ لا تُشكِّلُ عقبةً أمام المكوِّن الروحي، وإنما تؤمِّنُ وجودَهُ وازدهارَهُ.