في "بسم الأم والابن" استفاد الشاعر من تجربته في السرد الروائي في تخصيب الشعر بالسيرة، فجاء هذا الديوان ليشكل سيرة شعرية لأمه قائمة على وحدة الحالة الشعورية يرى من خلالها جميع الأمهات، وبالأخص الأم العربية بمحمولاتها البدائية والمعرفية والروحية، في إشارات دالة على الحالة الفلسطينية بالمعنى الأشمل للكلمة.
وأعتبر أن أدب العالم كتبه الألم ولم يكتبه الفرح، لذلك جاءت نصوصه في هذا الديوان دراما حقيقية تضعنا أمام موضوعة الإنسان والزمن في نص مفتوح ومتعدد المستويات والطبقات يقحم من خلاله المناطق الغامضة والمعتمة علّ ضوءاً ما ينير الدرب ويفتح الأفق لا غير.
يقول في قصيدة له بعنوان "الحفل": زهور وحشد أغانٍ، نشيد وذاكرة من زمان قديمٍ وشمسُ ضحى السبتِ مكتمِلةْ يتيم تأخر، أرملة تتقدم ساندةً أرملةْ (...) جنود قُدامى، معارك أزمنة خاسرةْ ثلاثون حرباً على الضوء مُعلَنةٌ وثلاثون مثلُ الثلاثين في غِمدِها مُضمرةْ صغار بألبسة العيد خيل ببهجة فرسانها عامرةْ موكب قادم من بعيدٍ زغاريدُ مرفوعةٌ للسماءِ هياجٌ رجال من الظلمات أَطلوا ومن صُحف الأمسِ والمحبرةْ كلهم أقبلوا التقطوا صُوراً لعنوا آخر العمر والذاكرةْ شربوا كأس حلم قتيلٍ هنا قبل أن يتقدم أكبرُهم ليقصَّ شريط الحرير ويفتتح المقبرةْ!
ضم هذا الديوان الشعري أربع وأربعون قصيدة عبرت عن فكر ووجدان وتجربة شاعر مخضرم، حقق في أعماله الأدبية التوازن ما بين خصوصية التجربة وعموميتها التي تفتح الباب واسعاً أمام انهزام الروح العربية، وانغلاقها على نفسها، ولكن "نصرالله" يفتحها برفق ووداعة ليبث فيها روح الحياة؛ فنتعلم منه أن الشعر والحياة صنوان لا يمكن إلا أن يكون فيه الشعر رفيق أحزاننا وأفراحنا، عندئذ فقط تدخل القصيدة إلى قلوبنا وتتفتح أساريرنا بنشوة إرادة الحياة.
كتاب بسم الأم والابن تأليف إبراهيم نصر الله
الإنسان ابن تجربته و"إبراهيم نصرالله" من الشعراء القلائل الذين عاشوا تجربة الناس، وتواصلوا معهم، فالإبداع لا يمكن أن يكون إلا فعلاً إنسانياً ينبع من التجربة العامة الإنسانية.