كتاب بنية الخطاب السردي في القصة القصيرة بقلم هاشم ميرغني .. في البدءِ كانَ السَّردُ ؛إذ رافق السَّردُ الإنسانَ منذ الوهلةِ الأولى لوجودهِ،وصاحبَ بعْدَ ذلكَ خطواتهِ الأولى على الأرض، حاملا ذكرياته وصدى أيَّامهِ وأحلامه وهواجسِه، مختزنًا حكمته وحماقته، مسجِّلاً مآثرَه وبطولاته، وتاريخَ صراعه أو حواره مع الذات،أو الآخر، أو العالم في بعديه الفيزيقي والميتافيزيقي.
ويقومُ هذا الكتابُ على دراسةِ القصَّةِ القصيرةِ، والكشف عن بنية خطابها المكون لها شكليًا ودلاليًا، وقد قُسِّمَ الكتابُ إلى مدخلٍ تمهيدي وثلاثةِ أبواب.
اهتمَّ التمهيدُ بتحديدِ مصطلحات الدراسة، فتوقَّفَ عند المصطلحات: بنية،خطاب، قص ،متتبعًا دلالاتها في رحلة بحثٍ في سيرة المصطلحِ، وتحوُّلاتهِ في الخطابِ النقديِّ.
أمَّا البابُ الأوَّلُ فقد خُصِّصَ لدراسةِ البنية الشكلية للخطاب السردي في القصة القصيرة، فتناولَ الكتابُ العنوانَ القصصيَّ ، وآلياتِ السَّردِ ، وبناءَ الحدث، ومفهومَ الراوي، ووحدةَ الانطباع، ولحظةَ التنوير، والمكان القصصي، ولغةَ الخطاب السردي،في دراسة نظرية تطبيقية موسعة.
أمَّا البابُ الثاني فقد تناول بنيةَ الخطابِ السردي بين القصة القصيرة والأجناس السردية الأخرى، فكانت المقارنةُ بينَ القصةِ القصيرة والرواية، والتوقُّف أمام المقـامة التي تمثِّل واحدًا من أهمِّ الإنجازات السردية التُّراثِية لدراسة طبيعةَ العلاقة التي تربطها بالقصة القصيرة، كما كان التوقُّفُ أمام الصورة القصصية في محاولة لفضِّ العلاقاتِ الملتبسةِ التي لا تني تشبيكها مع القصة القصيرة.
أمَّا البابُ الثالث والأخير فقد خُصِّصَ لدراسةِ عناصر البنية الدلالية للخطاب السردي للقصة القصيرة مُرَكَّزًا على عنصر الاغتراب الذي يرى المؤلِّفُ أنَّهُ يلخِّصُ لنا جوهرَ البنية الدلالية للخطاب السردي للقصة القصيرة، فقد اندلعَ برقُ القصَّة القصيرةُ بسماء ِغابة السرديات المتشابكة ليضيءَ ما لم تستطعْ النصوصُ السرديَّةُ الأخرى إضاءتَه: وحشةَ الفرد المنعزلِ المتوحِّد إزاءَ العالمِ في صمَمَهِ الأزليِّ عن نداءاتنِا ، ليلملمَ أيضًا العابرَ والهامشَ والمنسيَّ والكادَ ينسربُ في دهاليزِ العتمة والنسيان، بكلمة واحدة: ليقبضَ على جوهر اغترابِ الكائن ووحشته لحظةَ تجرُّدِه من أقنعتهِ وأسلحتهِ المتعدِّدة.
وتعي هذه الدراسةُ أنها تصطدمُ باستمرارٍ بعقباتٍ شائكة تتمثَّلُ في التغيُّر العميق الذي طالَ كافةَ الأجناسِ الأدبية مُنْذُ مطالعِ القرن العشرين، وزحزحَ بنيتها الكلاسيكية؛ ولذا فهي تحفر بتربةِ ديمومةِ عناصر بنائية تنسربُ بكيان القصة القصيرة قديمِها وحديثها ،تلك العناصر التي لايمكن أن تكونَ القصَّةُ بدونها لأنها ملتبسةٌ ببنيتها، تلك العناصر التي تسبحُ بيسرٍ بيَمِّ الفتوحاتِ الإبداعية الكبيرة للقصة الحديثة لتشتغلَ بشكلٍ مغايرٍ عن اشتغالها في القصة الكلاسيكية؛ ولذا عُني الكتابُ برصْدِ التحوُّلاتِ العميقة التي طالت القصة الحديثة، كما عُنى بمسألةِ تجنيسها الأدبي بُغيةَ الوقوفِ على أرضٍ منهجيةٍ صلبة تعمل على إثراءِ الدِّراسات التطبيقية في هذا المجال، كما عُني الكتابُ بدراسةِ القصة القصيرة السودانية التي غُبنت إلى حدٍّ كبيرٍ في حقْلِ الدراسات الأكاديميةِ الجامعيَّة في حين استأثرُ الشِّعرُ بِجُلِّ رُفوفِ هذهِ المكتبة.