كتاب تعدد الأديان وأنظمة الحكم بقلم جورج قرم ....هذه الدراسة الشاملة التي نال عليها المؤلف دكتوراه دولة من جامعة باريس، ونُشرت بالفرنسية في باريس عام 1971 وبالعربية في طبعتها الاولى عام 1978، قد اعتُرفَ لها بأنها عمل مهم وذو قيمة علمية ومرجع لكل باحث في شؤون التعددية الدينية. تُعنى هذه الدراسة بتواتر كبريات ثقافة البحر المتوسط،
وحضارات شعوب متعددة منذ آلاف السنين حتى اليوم، وقد استطاع المؤلف عبر إطلاعه الشاسع على المعلومات والمعطيات، حصد الأشكال الحقوقية - السياسية للعلاقات بين الطوائف الدينية في هذه المجتمعات والأسس التي قامت عليها هذا البنى. قسَّم هذا الأثر إلى ثلاثة فصول: الأول: يبحث في المسائل الدينية والعلاقات بين الطوائف الدينية منذ القديم، أي في العهود الوثنية قبل التأسيس السياسي للديانات التوحيدية، مع تحليل عام إبتداءً من العائلة وإنتهاءً بالقوميات والمجموعات المحلية والرئيسية. الثاني: يعالج العلاقات بين الطوائف داخل المجتمع المسيحي والنظرة المسيحية إلى الكون؛ وأهمية الفكر المسيحي تجاه العالم غير المسيحي. الثالث: يتناول العلاقات بين الطوائف داخل المجتمع الإسلامي، مركّزاً على آيات القرآن الكريم والشرع الإسلامي، ومحللاً إياها بشكل تفصيلي ودارساً، كذلك، تأثير الحداثة الأوروبية السياسية على مجمل العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين في السلطنة العثمانية ثم في الأوطان العربية التي انبثقت عن إنهيارها. وعليه، تأتي إعادة نشر هذا الأثر في طبعته العربية الرابعة، في الظرف الراهن المضطرب الذي تعانيه مجتمعاتنا العربية منذ عقود طويلة، وما التدخلات الغريبة والإسرائيلية في شؤون المنطقة، منذ كتابة هذه الأطروحة، في تأثيراتها التدميرية على علاقة الطوائف الدينية والمذاهب المختلفة في ما بينها في المشرق العربي، إلا تأكيداً على صحّة وصف المؤلف لتلك العلاقات وتأريخه لها في كل من القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ويتساءل "جورج قرم" في توطنته لهذه الطبعة الجديدة متى يستوعب العرب المشرقيون عِبَر تاريخهم الحديث المضطرب ليُحسنوا إدارة التعددية الدينية والمذهبية الغنية، العميقة الجذور في ديارهم، للحؤول دون تدخل القوى الغربية في شؤونهم الداخلية ودون إندثار هذه التعددية وإبقاء ما تبقى منها موضع إثارة للقلاقل والفتن. ولعلّ في هذه الدراسة ما يفيد القارئ في هذا الزمن الذي لا يقل إضطراباً عن المراحل التاريخية السابقة التي عايشها المؤلف منذ زمن كتابة هذه الأطروحة في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ويساعد، وبالتالي، في تجنّب المزيد من النفور والفتن الطائفية والمذهبية الطابع في أوطاننا العربية.