كتاب تغير الحال أم الخال؟ بقلم أحمد علي سليمان عبد الرحيم .. تغير الحال أم الخال؟! (تجشّم المشتاق لزيارة خاله بعد فراق دام عقداً ونصف. وإذا بالخال يعتذر عن اللقاء رغم استطاعته. فراح ابن اخته يذكّره بالماضي ويلومه على هذا السلوك العجيب ، ويعترف له بالفضل والجميل ، ويذكّره سالف عهده من العطاء والتفاني بلا حدود. ويتمنى لو عادت هذه الأيام التي كانا يتبادلان الحب الحقيقي دون أحقاد أو ضغائن أو منغصات ، في كنف عائلة كريمة متحابة متآلفة يعطف كبيرها على صغيرها ويرحمه ، ويحترم صغيرها كبيرها ويوقره. أيام كانت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع إذا قورنت بأيامنا الحالية. ويعود تاريخ كتابة هذا النص إلى صيف عام 2000 م ، وكان عمري عامها سبعة وثلاثين عاماً ، وكنت قد عانيت في كتابة هذه القصيدة الأمرّين ، وتردّدتُ كثيراً قبل الشروع في كتابتها. وهممت بعد أن جف الحبر عنها ورفع القلم عن تصحيحها واعتبرتها واحدة من قصائدي العتابية ، هممت أن أمزقها وألقي بها بعيداً عن عيني. ولكنني أردت أن أجعلها مثالاً يُحتذى ودرباً يُتبع في العتاب الذي يتعين بين ابن الأخت والخال ، خاصة إن كان خالاً يستحق معنى الكلمة الحقيقي عندما يقوم بواجبات الخؤولة كما ينبغي لها أن تكون. الخال الذي يعتبره المصريون والداً له من الوالدية الجزء الكبير! فإذا به ينقلب فيتنكر لما تقتضيه الخؤولة والوالدية والضيفية التي كان ينبغي أن تراعى! إنني أعتب هنا وأسأل: ما الشيء الذي تغير؟ ومن الشخص الذي تغير؟ إننا نظلم الأحوال والأغيار عندما نتهمها بالتغيير! وأجعل عنوان القصيدة هكذا: (تغير الحال أم الخال؟!) وإنني لأسأل الله تعالى أن يزيل الغشاوة التي على عيني ذلك الخال ليُدرك أن ابن أخته لا يزال حافظا للود مراعياً للقرابة معترفاً بالجميل والفضل مبقياً على كل وشائج المودة والقربى حتى آخر رمق في حياته. وما عانيت في حياتي كلها من خلق دني في إنسان ما بعد الكفر والشرك بالله قدر ما عانيت من مسلم يهضم الآخرين حقوقهم ويأخذ ولا يعطي وينتفع بالصحبة والأخوة والقرابة ولا ينفع أهلها إن استطاع. إن الحياة أخذ وعطاء ، ومنفعة وانتفاع. وليست كما يحلو لكثيرين أن يتصوروها أنانية وخذلاناً للآخرين وانتقاصاً لمقاديرهم وهضماً لحقوقهم! ألا إن المروءة والنجدة والجود صفات ثمينة لا يتحلى بها اليوم في الناس إلا القليل! وهذه الخلال لا دين لها ، فلقد يتحلى بها المسلم والكافر على حدٍ سواء. قال معاوية للحسن بن علي: ما المروءة يا أبا محمد؟ قال: فقه الرجل في دينه ، وإصلاحه معيشته. قال: فما النجدة؟ قال: الذَّبُّ عن الجار ، والصبر عن النائبة ، والإقدام على الكراهية. قال: فما الجود؟ قال: التبرع بالموجود ، والإعطاء قبل السؤال. وجرى بين أبي الأسود الدؤلي وبين امرأته كلام في ابن كان لها منه ، وأراد أخذه منها فصار إلى زياد وهو وال بالبصرة ، فسبقته المرأة فقالت: أصلح الله الأمير! هذا ابني كان بطني له وعاء ، وحجري له فناء ، وثديي له سقاء ، أكلؤه إذا نام ، وأحفظه إذا قام ، فلم أزل كذلك سبعة أعوام حتى كملت خصاله ، واستوكفت أوصاله ، فحين أمّلت نفعه ، ورجوت دفعه أراد أن يأخذه مني كرهًا ، أيها الأمير. فقال أبو الأسود: أصلحك الله هذا ابني حملته قبل أن تحمله ، ووضعته قبل أن تضعه ، وأنا أقوم عليه في أدبه ، وأنظر في أوده أمنحه حلمي ، وألهمه علمي ، حتى تحكم عقله واستحكم فتله. فقالت: أصلح الله الأمير – صدق ، حمله خفًّا ، وحمله ثقلًا! ووضعه شهوة ، وضعته كرهًا! فقال زياد: اردد على المرأة ولدها فهي أحق به منك ، ودعني من سجعك يا أبا الأسود! وليت الخال إذ تنكر للمروءة اعتبرني ضيفاً عليه لا ابن أخت ، فخلع عليّ وصف الضيفية وأولاني حقوقها! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)