كتاب تفنيد دعوى النسخ فى القرآن الكريم بقلم جمال البنا.. لقد كانت قالة النسخ من أكبر الكوارث الفكرية التي انزلق إليها الأسلاف، وانطلت عليهم فأجازوها جميعاً حتى قالوا إنه الإجماع، وحتى إنهم استنكروا على الشافعي أن لا يقول بنسخ السنة للقرآن على أساس ما زعموه من أنهما معاً وحي، وروى عن ابن عباس أنه فسر الحكمة في قوله الله تعالى (يؤتس الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً) معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه. وعقيدتنا التي لا تتزعزع والتي انتهينا إليها بعد البحث الدائب هي أن كل الروايات والأحاديث التي تضمنت إجازة النسخ أو وقوعاً له هي من الادعاءات المسمومة التي تدخل فيما أشار إليه القرآن الكريم عن أعداء الإسلام (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) ولما كان النص القرآني محفوظاً في الصدور ومكتوباً في الرقاع والصحف وغيرها،
فإن اللغو في القرآن الكريم ما كان ممكناً إلا عن طريق وضع أحاديث لا عداد لها، ونسبتها إلى عمر بن الخطاب، وعائشة وغيرهما من ثقات الصحابة، وراجت تلك الأحاديث لسذاجة الأفهام وخصوصاً أن المحدثين ما كانوا يسألون عن السند قبل فتنة عثمان، وتلك الروايات ظهرت في عهد الرسول نفسه، بدليل إشارة القرآن إليها، فجازت على المحدثين الذين استبعدهم السند قلباً وقالباً، وفات عليهم أن القرآن الكريم استخدم كلمة نسخ في الإثبات والكتابة كما هو في سورة الجاثية (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) وأن المعنى اللغوي يحتمل النسخ بمعنى الإثبات كما يحمله بمعنى الإزالة، ومثل هذا الدفع كان جديراً أن يجعلهم يترددون قبل أن يعملوا سكين النسخ تمزق القرآن الكريم تمزيقاً.