كتاب تلميذي البار شكراً بقلم أحمد علي سليمان عبد الرحيم .. تلميذي البار شكراً! (دخل القاعة لحضور حفل تكريمه ، إثر زيارته للعراق ، وذلك بعد غياب دام أكثر من 15 عاماً! فمن يا ترى ذلك الإنسان؟! إنه باختصار كبير استشاريي أمراض القلب ، في المستشفى الملكي بلندن ، طبيب القلب الدكتور العراقي ضياء كمال الدين. وعند مدخل القاعة استوقفه منظر بائع جرائد كبير السن مفترشاً جرائده على الرصيف. وراح يحاول أن يتذكر: من هذا؟! وأغلق الطبيب عينيه ثم سرعان ما فتحهما. كل ذلك لأنه يحاول أن يتذكر متى التقى بهذا الإنسان؟ وأين؟ ومن هو يا ترى؟ وفجأة تذكر ملامح هذا الرجل العجوز المحفورة في ذهنه! إنه حقاً معلم اللغة العربية الذي كان يدرسه صغيراً في المتوسطة! فجرجر نفسه ودخل القاعة ثم جلس جلوساً لا يرضى عنه! غير أن ذهنه بقي مع بائع الجرائد ، ذلك الرجل المعلم المسكين! وعندما نودي على اسمه لدى حلول فقرة تقليده وسام الإبداع ، قام من مكانه ، بيد أنه لم يتوجه إلى المنصة ، بل توجه إلى خارج القاعة...راح الكل ينظر إليه في ذهول...أما هو فقد اقترب من بائع الصحف ، وتناول يده فسحب البائع يده وقد فوجئ وقال: عوفني يا ابني ما راح أفرش هنا مرة أخرى ، رد عليه بصوت مخنوق: أنت أصلاً ما راح تفرش مرة أخرى بعد اليوم ، أرجوك بس تعال معي شوي.. ظل البائع يقاوم ، والدكتور يمسك بيده وهو يقوده إلى داخل القاعة.. تخلى البائع عن المقاومة وهو يرى عيون الدكتور تفيض بالدموع وقال: ما بك يا ابني؟ لم يتكلم الدكتور وواصل طريقه إلى المنصة ، وهو ممسك بيد بائع الجرائد ، والكل ينظر إليه في دهشة ، ثم انخرط في موجة بكاء حارة وأخذ يعانق الرجل ويقبل رأسه ويده ويقول: أنت ما عرفتني يا أستاذ "خليل"؟ وحاول الدكتور أن يقاوم مشاعره ودموعه فلم يستطع! وراح الأستاذ يفعل الشيء ذاته فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً! وقال المعلم لتلميذه: لا والله يا ابني العتب على النظر... فرد الدكتور وهو يكفكف دموعه: أنا تلميذك "ضياء كمال الدين" في الإعدادية المركزية... لقد كنت الأول دائماً... وكنت أنت من يشجعني ويتابعني سنه 1966 م ونظر الرجل إلى الدكتور واحتضنه تناول الدكتور الوسام وقلده للأستاذ وقال للحضور: هؤلاء هم من يستحقون التكريم.. والله ما ضعنا وتخلفنا وجهلنا إلا بعد إذلالنا لهم.. وإضاعة حقوقهم وعدم احترامهم وتقديرهم بما يليق بمقامهم وبرسالتهم السامية.. إنه الأستاذ خليل علي أستاذ اللغة العربية في الإعدادية المركزية.. ببغداد! وأخذ الدكتور معلمه على جنب بعيداً عن الكاميرات وأعطاه من المال ما يجعله في غنية عن بيع الجرائد! وبذلك يكون قد جمع على أستاذه الحقين: الحق المعنوي من التكريم والتقدير ، والحق المادي من المبلغ المعتبر الذي يغنيه عن بيع الجرائد!