يعالج هذا البحث جوانب من إشكالية عامة يعبر عنها في الدراسات المنطقية واللسانية بـ"حيز النفي". وهي إشكالية تطرح بحدة كلما تعلق الأمر بالنفي الذي اعتبر "يضيق" أحياناً" و"يتسع" أحياناً أخرى، على وجه يجعله ملتبساً يعسر ضبط المقصود منه.
وقصدنا من هذه المعالجة أن نسهم في بناء حساب نحوي لتعدد احتمالات النفي في تعامله مع الجهات والأسوار والروابط، وهي مكونات لغوية إنشائية اعتنى بها المناطقة وقننوها على صورة توافق صناعتهم أكثر مما اهتم بها اللغويون. ونحن إذ نتناولها فإننا نفترض أن حساب المناطقة الدلالي جزء من الحساب النحوي على اعتبار أن المنطق تجريد لجزء من الأبنية النحوية.
ويبرز تنوع الظواهر التي يؤدي إليها تسلط النفي على الجهات والأسواء والروابط ثراء ما يتيحه النظام اللغوي للمستعملين من استلزامات واستدلالات تمكن من التعبير عن المقاصد والأغراض في المقامات المخصوصة. ولكن هذا الاستعمال وإن بدا لدى التداوليين رهين الإنجاز فإننا نفترض أن الأساس النحوي هو الذي يسمح بالاستعمال البلاغي ويوفر، بما فيه من تجريد، إمكانات التعبير عن اللطائف والدقائق المعنوية.