كتاب ديوان عابر سبيل تأليف عباس محمود العقاد .. كلمة: «أنا حاضرة» إذا كتبتها معشوقة إلى عاشق، حملت إليه من الفرحة والشوق، وأشاعت في نفسه من الأمل واللذة ما تضيق عنه أشعار العبقريني ورسائل البلغاء، وهي ِ تلميذ يتدرب عد ُ من أتفه الجمل، التي يتألف منها الكلام املركب املفيد، وليس في و ْسع ُّ تُ على تأليف الجمل من مبتدأ وخبر أن يأتي بأتفه منها في الكلام. وقد يدخل القادم الطارئ إلى مجلس، فيُلقي فيه بكلمتني اثنتني هما: «فلان يحترق»، ويكون في املجلس أبو فلان هذا وصديق له، وإنسان لا يعرفه، وعدو من أعدائه، وآخرون يعرفونه بالقالة الحسنة، وآخرون يعرفونه بالقالة السيئة؛ ثم تنظر إلى صدى الكلمتني في نفوس أولئك الجلساء؛ فإذا هو مختلف أشد اختلاف: هذا يَثِ ُب ً معولا ً ، وهذا يجري مهرولا، وذلك يسمع ويكاد لا يشعر بشيء، وإلى جانبه من يسمع ويبتسم، ومعهم من يأسفون ً وهم يسمعون، ومعهم أيضا من لا يأسفون وكأنهم لا يسمعون. وإنما اختلف شعورهم بفلان هذا الذي يحترق؛ فاختلف معنى الكلمتني، وأثر هذا املعنى حسبما اختلف الشعور. والجائع السليم يَ ْزَدِر ُد الرغيف القفار، يحس في أكله من اللذة والاشتهاء ما لا يحسه من يجلس إلى املائدة الفاخرة وهو متخوم أو ممعود؛ وإنما اختلفت الرغبة، واختلف الاشتهاء، فاختلف الذوق والشعور