ألقيت هذه المحاضرت السبع التي يتألف منها الكتاب بشكل منفصل في جامعة تيترو كوليسيو، بيونيس آيرس، بين شهري تموز وآب من عام 1977. في الافتتاحية الواردة في الطبعة الاسبانية للكتاب، والتي نشرت في مدينة مكسيكو، يعلمنا بارثولوميو كيف أن هذه المحاضرات كانت قد سجلت على أشرطة كاسيت ووزعت على نطاق واسع في نسخ مهربة، ثم تم طبعها لاحقاً بشكل مختزل ومجزوء في الملاحق الأدبية لصحيفة بيونيس أيرس.
ولكن، وبعد مضي سنتين على ذلك، قام بارثولوميو بجمع هذه المحاضرات وإعدادها للنشر، بالتعاون مع بورخس الذي أجرى عليها تعديلات واسعة. لقد كان لبورخس، بالإضافة إلى "ذواته" الأدبية المتعددة الأخرى، وجوداً آخر مستقلاً كمحاضر على مدى السنوات الأربعين الماضية، وكأي جانب مستقل من حياته، فإن هذه المحاضرات تسلط ضوءاً مختلفاً على مجمل شخصيته، وتوضح أكثر تشابك عوالمه المتشعبة. إن طرد بورخس من عمله في مكتبة في إحدى الضواحي عام 1946 جعل من إلقاء المحاضرات وسيلة جوهرية في كسب العيش، وقد قبل بذلك بشيء من التردد، إذ كان عليه أن يقوم بتحضير محاضراته، بمساعدة والدته، وحفظها عن ظهر قلب، كونه لا يستطيع قراءة النص المكتوب. ومع ذلك، فإن هذا الإلزام في تذكر نصوصه قد أسدى خدمة كبيرة لبورخس، إذ، وبينما كان عماه يطبق أوزاره، كان بورخس في طور حفظ مكتبة فريدة لا بأس بها من المصادر والاقتباسات. فإن يُسأل سؤالاً، تراه يصفن لبعض الوقت، كمن ينقب بين رفوف الكتب في رأسه، ويأتيك بقبس من نصوصه الأصلية، وبوفرة غريبة من المعلومات المألوفة لقرائه. بعض من محاضراته، كتلك المتبدلة والمتقلبة أبداً عن دانتي، والتي ألقاها لمرات عدة ولكن ربما بشكل مختلف في كل مرة، توجد الآن في تلك المكتبة التي يحفظها في ذاكرته، ومن المناسب أن مجموعة منها قد أصبحت الآن جزءاً من التقليد البورخيسي.