كتاب سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية بقلم كرم نعمة ....لأن دونالد ترامب يفهم السياسة ببساطة بأنها التعريف الأمثل للإعلام. جاء كتاب كرم نعمة الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، أشبه بمجموعة قصصية بطلها الأوحد ترامب، الا ان شخوص القصص الاخرين لا يغادرون متنها، ثمة ابطال من الصحف اليومية الى تويتر وفيسبوك والقنوات التلفزيونية والمراسلين ووكالات الانباء... تمارس عملها بجد في تفسير علاقة ترامب مع وسائل الاعلام. هذا الكتاب يقدم لنا درسا صحافيا وتاريخيا في غاية الامتاع والمؤانسة عندما يرافق الرئيس الأميركي على مدار أربع سنوات ويكتب عن كل ما يتعلق بعلاقة ترامب مع وسائل الاعلام. قيمة الكتاب لا تكمن في المعلومات المشوقة فقط التي تهم المهتمين بشؤون وسائل الاعلام، بل بما يقترحه علينا المؤلف من فهم لجوهر الصحافة عندما أراد الرئيس الأميركي شيطنتها وعدها مجرد أخبار زائفة وأكاذيب. فعبر 25 مقالا نعرف كيف تحول تويتر بين أصابع ترامب الى سلاح غير مرخص، وان قوة ترامب الإعلامية على ضخامتها وتأثيرها الذي يصل الى عشرات الملايين من المستخدمين، لم تكن تتحلى بالمسؤولية.
2023-06-24
هذا الكتاب "سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية" يقدم لنا درسا صحافيا وتاريخيا في غاية الامتاع والمؤانسة عندما يرافق الرئيس الأميركي على مدار أربع سنوات ويكتب عن كل ما يتعلق بعلاقة ترامب مع وسائل الاعلام.
قيمة الكتاب لا تكمن في المعلومات المشوقة فقط التي تهم المهتمين بشؤون وسائل الاعلام، بل بما يقترحه علينا المؤلف من فهم لجوهر الصحافة عندما أراد الرئيس الأميركي شيطنتها وعدها مجرد أخبار زائفة وأكاذيب.
فعبر 25 مقالا نعرف كيف تحول تويتر بين أصابع ترامب الى سلاح غير مرخص، وان قوة ترامب الإعلامية على ضخامتها وتأثيرها الذي يصل الى عشرات الملايين من المستخدمين، لم تكن تتحلى بالمسؤولية.
يقول المؤلف كرم نعمة "لقد منح تويتر الرئيس الأميركي منفذا فريدا للتعبير عن نفسه كأقوى رجل في العالم، من دون قيود بروتوكول الرئاسة. وكان يفرض شروطه الخاصة على أي حوار يريده مع كل الأطراف داخل وخارج الولايات المتحدة، بتغريدة مقتضبة".
فضّل ترامب حسابه الشخصي على تويتر وليس حسابه الرسمي، للتعبير عن أفكاره. لقد فهم قوة بناء خطابه الشخصي وإبقائه منفصلا عن واجباته الرسمية كرئيس. استخدم تويتر كسلاح ضد منافسيه، ومسدس مرخص لإطلاق النار على مساعديه ووزراء في الحكومة وأعضاء في الكونغرس، وفي حقيقة الأمر كان تويتر قنبلة يدوية يمكن أن يلقيها على المشرعين الذين يتجاوزونه والصحف التي تثير استياءه، والأهم من ذلك كان وسيلة لبث الحماس في مناصريه الشعبويين.
لذلك حسب رأي الكاتب كرم نعمة مدير تحرير صحيفة العرب اللندنية والذي احترف العمل الصحافي منذ أكثر من أربعة عقود، لا يمثل نموذج ترامب مثالا سياسيا يعود له التاريخ كلما أراد أن يقدم عبره للناس، لكنه يكاد يكون أفضل النماذج التي تبحث عنها الصحافة لصناعة قصة تدور من دون أن تثير الملل، ترامب قصة صحافية متجددة، سواء كان بتغريداته المقتضبة أو تعليقاته الجارحة والفاقدة للكياسة أو إيماءاته المعبّرة عن الاستغراب والرفض، وأخيرا بمصافحاته المتوترة، أو المتجاهلة لأكف الزعماء الممدودة وإن كانت أمام العدسات.
مع ذلك يكتب نعمة: لم تكن الصحافة بحاجة إلى "مكر شيطاني" يديره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لنكتشف مسعى الحكومة لتقويضها.
الفكرة التي يريد ترامب ترسيخها في ذهن الجمهور عن الصحافة بوصفها مكرا شيطانيا، أربكت الصحافة وجعلتها تعيد التفكير في مصالحها قبل خطابها.
يقول المؤلف من المحزن أن يستطيع الرئيس الأميركي منع عدد من أهم وسائل الإعلام في العالم، على غرار نيويورك تايمز والغارديان "سي أن أن" و"بي بي سي" من حضور مؤتمراته الصحافية، لكن ألا يجدر بنا أن نحزن ولو قليلا عندما نجد أن صحافتنا العربية مازالت تطلق بوجه الرؤساء أسئلة تكتب لها مسبقا، مثل فقاعات الصابون!
في واحدة من مقالات الكتاب يرى المؤلف ان مفعول ترامب دواء للكساد الإخباري، عندما تكون كل التكهنات لا أهمية لها مع تصاعد "مفعول ترامب" التلفزيوني، ليس هناك أي تاريخ يمكن أن نتطلع إليه لنعرف ماذا سيحدث، لكن عصر التلفزيون قد أصبح عصر ترامب بامتياز، وعاد التلفزيون إلى منصته المؤثرة أكثر من أي وسيلة إعلامية أو رقمية أخرى بفضل مفعول ترامب.
ويعود كرم نعمة الى رواية جورج أورويل 1984 ليصل الى انه تنبأ بالحقائق البديلة بينما قاد دونالد ترامب جوقتها. مشيرا الى انه أصبحت العبارات والمفاهيم التي سبكها أورويل تركيبات أساسية للغة السياسية والإعلامية، ولا تزال لامعة بعد عقود من الاستخدام، لم تصدأ كلمات مثل سوء الاستخدام، الجريدة الرسمية، الأخ الأكبر، رجال الفكر، الكراهية، التفكير المزدوج، انعدام الشخصية، الذاكرة المثقوبة، وزارة الحقيقة… بينما تحوّل بطل رواية 1984 إلى مرادف لكل ما يكره ويخشى منه.
لكننا سنعرف لاحقا أن تصريحات ترامب زادت بشكل كبير من توزيع رواية 1984! فخلال خطاب ألقاه ترامب في يوليو 2018 قال "ما تراه وما تقرأه ليس ما يحدث".
في كل ذلك ثمة لعبة صحافية مستمرة اسمها ترامب وستستمر، حسب توقع مؤلف كتاب "سلاح غير مرخص" من دون أن يتوقع أحد نهايتها القريبة، حتى وإن حدث ما لا يمكن توقعه في البيت الأبيض!
قبل ان يفوز ترامب على هيلاري كلينتون ويصل الى البيت الابيض كانت بعض وسائل الاعلام ترى فيه اعلانا مضرا كالسجائر، لكنه مثل على مدار دورة رئاسية كاملة قبل هزيمته أمام جو بايدن، قوة إعلامية بغض النظر عن طبيعة خطابه المزدري للآخر والقاذف للشتائم، حتى لو زعمت كبرى وسائل الإعلام بغير ذلك، فإنها لا يمكن أن تبقى متفرجة على اللعبة المشوقة والمتواصلة للمرشح الرئاسي آنذاك عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية دونالد ترامب.
دونالد ترامب وصل الى البيت الأبيض من خلال استراتيجية يعتقد معظم الجمهوريين في نهاية المطاف أنها ستقضي عليهم، وستكون وسائل الإعلام حينها شريكا له، أو حسب تسمية هفين ويبر، وهو جمهوري مخضرم وعضو كونغرس متقاعد من ولاية مينيسوتا، "الرقصة الأخيرة على تيتانيك".
بعد ما يبدو وكأنه أسوأ الانتخابات الرئاسية الأميركية طبعا ومزاجا على الإطلاق، ثمة أشياء سخيفة هزت العالم وجعلت منه مكانا مخيفا ومربكا في الوقت الحالي، من التصويت إلى بريكست حتى انتخاب ترامب.
وبالنسبة للكثيرين في العالم، إن الذي حدث آنذاك، هو شكل من أشكال الانتقام من وسائل الإعلام، وبالنسبة إلى آخرين هو فشل المدارس الإعلامية في صناعة الرأي والتأثير على مزاج الجمهور.
وهكذا يستمر الكتاب في حزمة مقالات لا غنى عنها لطلاب الصحافة في الجامعات، وبلغة أدبية لا تخلو من الإيحاء والتساؤل، في اثبات أن الرئيس دونالد ترامب يعيش أجواء مشوشة، عندما يعيد استخدام مصطلح ممهور باسمه عن "الإعلام عدو الشعب"، لأنه يتجاهل وفق مؤلف "سلاح غير مرخص" عن عمد الصورة المثالية التي افترضتها المقولة التاريخية للرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي والتي فضلت دولة من دون حكومة على دولة بلا صحافة
الا ان كرم نعمة يقول ان دونالد ترامب ليس أول رئيس أميركي يهاجم الصحافة أو يعاملها بشكل غير عادل، لكنه أول من يبدو أن لديه سياسة محسوبة ومتسقة تقوض الشرعية بل وتعرّض عمل الصحافة للخطر.
ويرى انه ليس من مهمة الصحافة إنقاذ الولايات المتحدة من ترامب، إن مهمة الصحافة هي أن تقوم بالإبلاغ والتعمق والتحليل والتدقيق بأفضل ما تستطيع ودون خوف وفق تعبير صحيفة الغارديان البريطانية.
في واحد من بين أهم مقالات الكتاب يرى المؤلف ان الصحافة العربية لم تستوعب الصدمة، عندما التزمت الصمت ولم تشارك مع مئات الصحف في مختلف دول العالم في يوم الرئيس دونالد ترامب والصحافة، عندما اتفقت 200 صحيفة في مختلف دول العالم على يوم سمي "لسنا أعداء أحد" من أجل تفنيد الفكرة التي غرسها ترامب في عقول الجمهور ونجح إلى حد كبير في جعل الصحافة بذرة شيطانية، وليست الوسيلة المثلى لربط المجتمع بديمقراطية حرة من الأفكار والمعلومات. لم تشارك أي من الصحف العربية، لسوء حظ القراء العرب، في ذلك اليوم التاريخي الذي سمي "لسنا أعداء أحد" الامر الذي دفع كرم نعمة الى التساؤل عما اذا كنا نجرؤ في العالم العربي بعد هذا الدرس على إعادة ترتيب علاقة الصحافة بالحكومات، أو بمفهوم الدولة لدينا؟ ذلك السؤال القديم الذي غالبا ما يصاب بالوهن مع اختلاف سطوة الحكومات العربية وجبروتها.
وفي مقال "تشريح صورة خارج تلفزيون الواقع" يختار المؤلف صورة معبرة لترامب بعد ليلة حملة انتخابية قبل أسابيع من هزيمته أمام بايدن، التقطتها عدسة المصور باتريك سيمانسكي من وكالة أسوشيتد برس لترامب بدا وكأنه خارج تلفزيون الواقع السياسي الذي عرف به.
إنه في هذه الصورة ليس ترامب المعتاد، فترامب لن يكون ترامب من دون الجماهير الغفيرة المحيطة به في الصالات والملاعب، حتى وإن كان في غرفة نومه يرسل التغريدات النارية! لنا أن نتخيل أكثر من مئة مليون متابع له، هؤلاء جماهير يحسن بهم ترامب ويتشوق لمخاطبتهم.
صورة ترامب في وكالة أسوشيتد برس مدعاة للتحليل أكثر من أي تصريح سياسي له لحد الآن، فهذه الصورة لا تظهر ذلك الرئيس الساحر ببدلته الثمينة وربطة عنقه الحمراء كعلامة عن الثراء. بل مجرد لاعب بيسبول مهزوم عاد في وقت متأخر بعد تظاهرة انتخابية مخيبة للآمال قاطعها الجمهور، والبعض منهم تعمد اقتناء تذاكر الحضور ولم يذهب لتطبيق سياسة المقاعد الفارغة وإفشال حملة ترامب الانتخابية. "فشل لاحقا في الفوز بالانتخابات الرئاسية".
كما تُظهر الصورة أن الرئيس الأميركي لديه عدو يتجمهر أكثر فأكثر، لا يمكنه هزيمته بالتخبط، وهو ينزل من المروحية الرئاسية بربطة عنق محلولة على كتفيه، وماسكا بقوة قبعة لاعب منهك.
يكتب كرم نعمة "لقد كان صموئيل بكيت يترك ربطة عنقه بلا شد، كذلك ألبير كامو، مثلما فعل آرثر ميلر في تعبير عن زواجه الفاشل من مارلين مونرو. لكن ترامب في هذه الصورة لا يتشبه بأي من هؤلاء المدهشين في صناعة الأحلام المعبرة، وهو يترك ربطة عنقه حرة على كتفيه، لأنه أصلا يرى في نفسه ممثلا للنخب العالية وليس لتلك الهموم الأدبية المستعارة التي يمثلها ميلر وبيكيت وكامو وسواهم. لذلك بدا مثل مقامر عائد من خسارته، وأشبه بـ "رجل أعمال مسجون تم إطلاق سراحه بكفالة ولم يتذكر ربطة عنقه المسترخية على صدره كي يعيد شدها"!
يصل الكتاب بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2020 الى ان الانتخابات الأميركية أعادت الأهمية لوسائل الإعلام التقليدية، بقول المؤلف الى اننا عشنا العصر الأكثر أورويلية، لأن الحرب على الحقيقة بلغت ذروتها، فإن التاريخ نفسه وهو يفكر في وسائل التواصل الاجتماعي بكونها الوسائط المعادية لطبيعة المجتمع السوية. سيذكر أيضا أن انتخابات الرئاسة الأميركية 2020 قد أعادت الأهمية إلى وسائل الإعلام التقليدية.
أما عندما أوقفت حسابات ترامب على تويتر وفيسبوك، فكتب نعمة "حجب مكبّر الصوت أسقط الرئيس" فقد أمضى الرئيس الأميركي أسبوعا شاحبا هو الأول خلال فترة رئاسته، من دون أن يشعر بحكة في أصبعه!
قيمة ترامب الرئاسية تكمن في مكبر الصوت المليوني، الذي مارس فيه سطوة تلفزيون الواقع على الأميركيين والعالم. لكنه قضى الأسبوع الأخير في فترته الرئاسية، من دون حسابه على تويتر وفيسبوك. لقد جرّد من الرئاسة بمجرد إيقاف حساباته، بغض النظر عما ستؤول إليه حياته السياسية اللاحقة.
في النهاية يصل الكتاب الى تساؤلات تمتلك أهميتها بالنسبة الينا جميعا وليس للأميركيين وحدهم، عندما يتساءل هل أنتم مستعدون لما بعد ترامب؟ ويجد في المقابل إجابة له في ما يشبه الأسئلة الموازية بالقول ان العالم يريد استعادة الحقيقة، من دون ان يتراجع عن السؤال التاريخي عما اذا كانت الصحافة هل جعلت العالم أفضل.
قيمة الكتاب لا تكمن في المعلومات المشوقة فقط التي تهم المهتمين بشؤون وسائل الاعلام، بل بما يقترحه علينا المؤلف من فهم لجوهر الصحافة عندما أراد الرئيس الأميركي شيطنتها وعدها مجرد أخبار زائفة وأكاذيب.
فعبر 25 مقالا نعرف كيف تحول تويتر بين أصابع ترامب الى سلاح غير مرخص، وان قوة ترامب الإعلامية على ضخامتها وتأثيرها الذي يصل الى عشرات الملايين من المستخدمين، لم تكن تتحلى بالمسؤولية.
يقول المؤلف كرم نعمة "لقد منح تويتر الرئيس الأميركي منفذا فريدا للتعبير عن نفسه كأقوى رجل في العالم، من دون قيود بروتوكول الرئاسة. وكان يفرض شروطه الخاصة على أي حوار يريده مع كل الأطراف داخل وخارج الولايات المتحدة، بتغريدة مقتضبة".
فضّل ترامب حسابه الشخصي على تويتر وليس حسابه الرسمي، للتعبير عن أفكاره. لقد فهم قوة بناء خطابه الشخصي وإبقائه منفصلا عن واجباته الرسمية كرئيس. استخدم تويتر كسلاح ضد منافسيه، ومسدس مرخص لإطلاق النار على مساعديه ووزراء في الحكومة وأعضاء في الكونغرس، وفي حقيقة الأمر كان تويتر قنبلة يدوية يمكن أن يلقيها على المشرعين الذين يتجاوزونه والصحف التي تثير استياءه، والأهم من ذلك كان وسيلة لبث الحماس في مناصريه الشعبويين.
لذلك حسب رأي الكاتب كرم نعمة مدير تحرير صحيفة العرب اللندنية والذي احترف العمل الصحافي منذ أكثر من أربعة عقود، لا يمثل نموذج ترامب مثالا سياسيا يعود له التاريخ كلما أراد أن يقدم عبره للناس، لكنه يكاد يكون أفضل النماذج التي تبحث عنها الصحافة لصناعة قصة تدور من دون أن تثير الملل، ترامب قصة صحافية متجددة، سواء كان بتغريداته المقتضبة أو تعليقاته الجارحة والفاقدة للكياسة أو إيماءاته المعبّرة عن الاستغراب والرفض، وأخيرا بمصافحاته المتوترة، أو المتجاهلة لأكف الزعماء الممدودة وإن كانت أمام العدسات.
مع ذلك يكتب نعمة: لم تكن الصحافة بحاجة إلى "مكر شيطاني" يديره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لنكتشف مسعى الحكومة لتقويضها.
الفكرة التي يريد ترامب ترسيخها في ذهن الجمهور عن الصحافة بوصفها مكرا شيطانيا، أربكت الصحافة وجعلتها تعيد التفكير في مصالحها قبل خطابها.
يقول المؤلف من المحزن أن يستطيع الرئيس الأميركي منع عدد من أهم وسائل الإعلام في العالم، على غرار نيويورك تايمز والغارديان "سي أن أن" و"بي بي سي" من حضور مؤتمراته الصحافية، لكن ألا يجدر بنا أن نحزن ولو قليلا عندما نجد أن صحافتنا العربية مازالت تطلق بوجه الرؤساء أسئلة تكتب لها مسبقا، مثل فقاعات الصابون!
في واحدة من مقالات الكتاب يرى المؤلف ان مفعول ترامب دواء للكساد الإخباري، عندما تكون كل التكهنات لا أهمية لها مع تصاعد "مفعول ترامب" التلفزيوني، ليس هناك أي تاريخ يمكن أن نتطلع إليه لنعرف ماذا سيحدث، لكن عصر التلفزيون قد أصبح عصر ترامب بامتياز، وعاد التلفزيون إلى منصته المؤثرة أكثر من أي وسيلة إعلامية أو رقمية أخرى بفضل مفعول ترامب.
ويعود كرم نعمة الى رواية جورج أورويل 1984 ليصل الى انه تنبأ بالحقائق البديلة بينما قاد دونالد ترامب جوقتها. مشيرا الى انه أصبحت العبارات والمفاهيم التي سبكها أورويل تركيبات أساسية للغة السياسية والإعلامية، ولا تزال لامعة بعد عقود من الاستخدام، لم تصدأ كلمات مثل سوء الاستخدام، الجريدة الرسمية، الأخ الأكبر، رجال الفكر، الكراهية، التفكير المزدوج، انعدام الشخصية، الذاكرة المثقوبة، وزارة الحقيقة… بينما تحوّل بطل رواية 1984 إلى مرادف لكل ما يكره ويخشى منه.
لكننا سنعرف لاحقا أن تصريحات ترامب زادت بشكل كبير من توزيع رواية 1984! فخلال خطاب ألقاه ترامب في يوليو 2018 قال "ما تراه وما تقرأه ليس ما يحدث".
في كل ذلك ثمة لعبة صحافية مستمرة اسمها ترامب وستستمر، حسب توقع مؤلف كتاب "سلاح غير مرخص" من دون أن يتوقع أحد نهايتها القريبة، حتى وإن حدث ما لا يمكن توقعه في البيت الأبيض!
قبل ان يفوز ترامب على هيلاري كلينتون ويصل الى البيت الابيض كانت بعض وسائل الاعلام ترى فيه اعلانا مضرا كالسجائر، لكنه مثل على مدار دورة رئاسية كاملة قبل هزيمته أمام جو بايدن، قوة إعلامية بغض النظر عن طبيعة خطابه المزدري للآخر والقاذف للشتائم، حتى لو زعمت كبرى وسائل الإعلام بغير ذلك، فإنها لا يمكن أن تبقى متفرجة على اللعبة المشوقة والمتواصلة للمرشح الرئاسي آنذاك عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية دونالد ترامب.
دونالد ترامب وصل الى البيت الأبيض من خلال استراتيجية يعتقد معظم الجمهوريين في نهاية المطاف أنها ستقضي عليهم، وستكون وسائل الإعلام حينها شريكا له، أو حسب تسمية هفين ويبر، وهو جمهوري مخضرم وعضو كونغرس متقاعد من ولاية مينيسوتا، "الرقصة الأخيرة على تيتانيك".
بعد ما يبدو وكأنه أسوأ الانتخابات الرئاسية الأميركية طبعا ومزاجا على الإطلاق، ثمة أشياء سخيفة هزت العالم وجعلت منه مكانا مخيفا ومربكا في الوقت الحالي، من التصويت إلى بريكست حتى انتخاب ترامب.
وبالنسبة للكثيرين في العالم، إن الذي حدث آنذاك، هو شكل من أشكال الانتقام من وسائل الإعلام، وبالنسبة إلى آخرين هو فشل المدارس الإعلامية في صناعة الرأي والتأثير على مزاج الجمهور.
وهكذا يستمر الكتاب في حزمة مقالات لا غنى عنها لطلاب الصحافة في الجامعات، وبلغة أدبية لا تخلو من الإيحاء والتساؤل، في اثبات أن الرئيس دونالد ترامب يعيش أجواء مشوشة، عندما يعيد استخدام مصطلح ممهور باسمه عن "الإعلام عدو الشعب"، لأنه يتجاهل وفق مؤلف "سلاح غير مرخص" عن عمد الصورة المثالية التي افترضتها المقولة التاريخية للرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي والتي فضلت دولة من دون حكومة على دولة بلا صحافة
الا ان كرم نعمة يقول ان دونالد ترامب ليس أول رئيس أميركي يهاجم الصحافة أو يعاملها بشكل غير عادل، لكنه أول من يبدو أن لديه سياسة محسوبة ومتسقة تقوض الشرعية بل وتعرّض عمل الصحافة للخطر.
ويرى انه ليس من مهمة الصحافة إنقاذ الولايات المتحدة من ترامب، إن مهمة الصحافة هي أن تقوم بالإبلاغ والتعمق والتحليل والتدقيق بأفضل ما تستطيع ودون خوف وفق تعبير صحيفة الغارديان البريطانية.
في واحد من بين أهم مقالات الكتاب يرى المؤلف ان الصحافة العربية لم تستوعب الصدمة، عندما التزمت الصمت ولم تشارك مع مئات الصحف في مختلف دول العالم في يوم الرئيس دونالد ترامب والصحافة، عندما اتفقت 200 صحيفة في مختلف دول العالم على يوم سمي "لسنا أعداء أحد" من أجل تفنيد الفكرة التي غرسها ترامب في عقول الجمهور ونجح إلى حد كبير في جعل الصحافة بذرة شيطانية، وليست الوسيلة المثلى لربط المجتمع بديمقراطية حرة من الأفكار والمعلومات. لم تشارك أي من الصحف العربية، لسوء حظ القراء العرب، في ذلك اليوم التاريخي الذي سمي "لسنا أعداء أحد" الامر الذي دفع كرم نعمة الى التساؤل عما اذا كنا نجرؤ في العالم العربي بعد هذا الدرس على إعادة ترتيب علاقة الصحافة بالحكومات، أو بمفهوم الدولة لدينا؟ ذلك السؤال القديم الذي غالبا ما يصاب بالوهن مع اختلاف سطوة الحكومات العربية وجبروتها.
وفي مقال "تشريح صورة خارج تلفزيون الواقع" يختار المؤلف صورة معبرة لترامب بعد ليلة حملة انتخابية قبل أسابيع من هزيمته أمام بايدن، التقطتها عدسة المصور باتريك سيمانسكي من وكالة أسوشيتد برس لترامب بدا وكأنه خارج تلفزيون الواقع السياسي الذي عرف به.
إنه في هذه الصورة ليس ترامب المعتاد، فترامب لن يكون ترامب من دون الجماهير الغفيرة المحيطة به في الصالات والملاعب، حتى وإن كان في غرفة نومه يرسل التغريدات النارية! لنا أن نتخيل أكثر من مئة مليون متابع له، هؤلاء جماهير يحسن بهم ترامب ويتشوق لمخاطبتهم.
صورة ترامب في وكالة أسوشيتد برس مدعاة للتحليل أكثر من أي تصريح سياسي له لحد الآن، فهذه الصورة لا تظهر ذلك الرئيس الساحر ببدلته الثمينة وربطة عنقه الحمراء كعلامة عن الثراء. بل مجرد لاعب بيسبول مهزوم عاد في وقت متأخر بعد تظاهرة انتخابية مخيبة للآمال قاطعها الجمهور، والبعض منهم تعمد اقتناء تذاكر الحضور ولم يذهب لتطبيق سياسة المقاعد الفارغة وإفشال حملة ترامب الانتخابية. "فشل لاحقا في الفوز بالانتخابات الرئاسية".
كما تُظهر الصورة أن الرئيس الأميركي لديه عدو يتجمهر أكثر فأكثر، لا يمكنه هزيمته بالتخبط، وهو ينزل من المروحية الرئاسية بربطة عنق محلولة على كتفيه، وماسكا بقوة قبعة لاعب منهك.
يكتب كرم نعمة "لقد كان صموئيل بكيت يترك ربطة عنقه بلا شد، كذلك ألبير كامو، مثلما فعل آرثر ميلر في تعبير عن زواجه الفاشل من مارلين مونرو. لكن ترامب في هذه الصورة لا يتشبه بأي من هؤلاء المدهشين في صناعة الأحلام المعبرة، وهو يترك ربطة عنقه حرة على كتفيه، لأنه أصلا يرى في نفسه ممثلا للنخب العالية وليس لتلك الهموم الأدبية المستعارة التي يمثلها ميلر وبيكيت وكامو وسواهم. لذلك بدا مثل مقامر عائد من خسارته، وأشبه بـ "رجل أعمال مسجون تم إطلاق سراحه بكفالة ولم يتذكر ربطة عنقه المسترخية على صدره كي يعيد شدها"!
يصل الكتاب بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2020 الى ان الانتخابات الأميركية أعادت الأهمية لوسائل الإعلام التقليدية، بقول المؤلف الى اننا عشنا العصر الأكثر أورويلية، لأن الحرب على الحقيقة بلغت ذروتها، فإن التاريخ نفسه وهو يفكر في وسائل التواصل الاجتماعي بكونها الوسائط المعادية لطبيعة المجتمع السوية. سيذكر أيضا أن انتخابات الرئاسة الأميركية 2020 قد أعادت الأهمية إلى وسائل الإعلام التقليدية.
أما عندما أوقفت حسابات ترامب على تويتر وفيسبوك، فكتب نعمة "حجب مكبّر الصوت أسقط الرئيس" فقد أمضى الرئيس الأميركي أسبوعا شاحبا هو الأول خلال فترة رئاسته، من دون أن يشعر بحكة في أصبعه!
قيمة ترامب الرئاسية تكمن في مكبر الصوت المليوني، الذي مارس فيه سطوة تلفزيون الواقع على الأميركيين والعالم. لكنه قضى الأسبوع الأخير في فترته الرئاسية، من دون حسابه على تويتر وفيسبوك. لقد جرّد من الرئاسة بمجرد إيقاف حساباته، بغض النظر عما ستؤول إليه حياته السياسية اللاحقة.
في النهاية يصل الكتاب الى تساؤلات تمتلك أهميتها بالنسبة الينا جميعا وليس للأميركيين وحدهم، عندما يتساءل هل أنتم مستعدون لما بعد ترامب؟ ويجد في المقابل إجابة له في ما يشبه الأسئلة الموازية بالقول ان العالم يريد استعادة الحقيقة، من دون ان يتراجع عن السؤال التاريخي عما اذا كانت الصحافة هل جعلت العالم أفضل.