كتاب فاكهة الكلمات: روائيات على السجادة الحمراء بقلم كرم نعمة....عندما صدرت الطبعة الأولى من كتاب "فاكهة الكلمات: روائيات على السجادة الحمراء"، لم تكن أي من أعمال روائيات هذا الكتاب قد ترجمت إلى اللغة العربية، باستثناء رواية "فتاة الوشاح الأحمر" التي ختمت متن الكتاب. واليوم، وبعد نفاد الطبعة الأولى، يبدو القارئ العربي أقرب إلى مشهد رفوف كتب تحفل بها أعمال روائيات يغيرن النظرة السائدة للكتابة بكونها مقتصرة على مشاهير الرجال. فعندما قدمت عشر روائيات بوصفهن فاكهة كلمات معبرة مرت على السجادة الحمراء لأرفع الجوائز الأدبية في الغرب، كنت أهدف إلى تقريب شيء من الصورة المهمة للقارئ العربي، وكان التجاوب حينها يبعث على الغبطة حقا. كانت جائزة المرأة للرواية آنذاك مثار جدل مستمر في الصحافة البريطانية، الأمر الذي دفع الشركة الداعمة لها إلى الانسحاب لاحقا وتغيير اسمها من جائزة أورانج للرواية إلى جائزة المرأة للرواية، لكنها صمدت في النهاية ولا زالت تقدم لنا سنويا مجموعة لامعة من الروائيات، فيما تدخل روائيات آخر القوائم النهائية لجوائز بوكر وكوستا بثقة معبرة عن قيمة الكتابة، وليس أي شي آخر متعلق بالمرأة نفسها. وبعد ترجمة أهم أعمال روائيات هذا الكتاب إلى اللغة العربية، والاهتمام الذي لقيه الكتاب في طبعته الأولى، نقدم الطبعة الثانية بتعديلات بسيطة لإعادة التذكير بأن النص الروائي الذي تكتبه المرأة يكتفي بأهميته معبرا عن نفسه، وسط رفوف كتب يستحوذ عليها الرجال. كرم نعمة
شارك الكتاب مع اصدقائك
2023-07-05
القاهرة- محمد الحمامصي
استوحى مؤلف هذا الكتاب اسمه من تجربة الكاتبة الأيرلندية آن انريت، بعد إن رفعت جائزة بوكر الأدبية عن روايتها الاجتماع، فهو إذا يعرض لإعمال انريت الأدبية يرى في رواية سرور إليزا لنتش فاكهة كلمات استثنائية من دون أي شك، عندما تتوق إليزا لنتش إلى المال وتبحر عبر الأطلسي عبر الرحلة البحرية الملكية لاستدعاء مستقبلها الباذخ، ويكتب "تقودنا الكاتبة في النهاية إلى واقعية سحرية معاصرة تعلو بإسراف على خيال غابريال غارسيا ماركيز وهي تصل إلى بلاده".
ومع أن اسم الكتاب لم يُستوحَ من رواية "الاجتماع" الفائزة بجائزة بوكر موضوع الاحتفاء بـ "انرايت"، ألا أنه أشبه بطبق من "الكلمات الناعمة" تثير أمام القارئ سؤالا مكررا، لماذا هؤلاء الكاتبات تحديدا وأي شي يجمع بينهم، ولماذا اختارهن كرم نعمة في كتابه الجديد الصادر عن دار الأديب في العاصمة الأردنية عمان، وهو يجمع عشر روائيات غربيات.
كذلك سألت كرم نعمة الصحفي قبل الكاتب فرد بتساؤل مشابه "سيتكرر نفس السؤال لو اخترت أسماء أخرى...".
وقال "متن هذا الكتاب يكتفي بذاته وهو يعرض لتجربة إبداعية لروائيات محتفى بهن في الأوساط الأدبية والصحفية الغربية على مدار السنوات الماضية، فكل واحدة منهن قد نالت أهم الجوائز الأدبية المرموقة في بريطانيا مثل بوكر واورانج وكوستا، باستثناء الكاتبة الأميركية من أصول صينية جي لي يانج والكاتبة الأميركية كاثي ريتشس، وهذا برأي قدر كاف كي نقدمهن إلى القارئ العربي، من المهم التعرف على تجربة الكاتبة وكيف تتماس مع الإنسانة فيها، كيف تفكر وكيف تختار ثيمة ما تكتب، وكيف تترقب العالم من حولها وتواجه الضغوط، اخترت الكاتبات النساء لأنه باختصار 70 في المائة مما ينشر من روايات في بريطانية تنتجه نساء".
ومهما يكن من أمر نحن أمام كتاب يجمع متنه في قطع أدبية تنحوا بآلية صحفية وبلغة الكاتب نفسه التي عهدها في عمله الصحفي منذ سنوات محررا ثقافيا في صحيفة "الزمان" اللندنية، ومديرا للتحرير في صحيفة العرب اللندنية، قطع "أدبية صحفية" عن روائيات من "أخوات شهرزاد" وفق تعبير الروائي السوري نبيل سليمان الذي ثبت على الغلاف الخلفي للكتاب، على اعتبار إن شهرزاد ظاهرة كونية، فبناتها يملأن الأصقاع والأزمنة.
يستهل المتن بالمرأة التي رأت الشيطان كي تكتب روايتها! هيلاري مانتل نالت جائزة بوكر مرتين عن جزأين من رواية واحدة، الأولى "صالة الذئب" والثانية "أرفعوا الجثث".
مانتل رأت الشيطان عندما كان عمرها سبع سنوات، نعم رأته كيف يصارع الريح ويتوجه بمحاذاة منزل أسرتها، وترددت عشرين عاما قبل ان تكتب روايتها "صالة الذئب" لتنال بها المجد الأدبي في منتصف عمرها الافتراضي والأدبي، وبعدها بعامين خطفت الجائزة نفسها عن روايتها "ارفعوا الجثث".
وتتناول رواية "صالة الذئب" عبر 650 صفحة من القطع الكبير، ما يشبه السيرة التاريخية المفعمة بالعذاب والتعذيب والدسائس والاهانات السياسية والدبلوماسية البدائية في حياة السياسي الانكليزي توماس كرومويل.
ويرى كرم نعمه في عرضة لتجربة هيلاري مانتل انها لا تؤمن بالحكاية التقليدية عن الأميرة التي تتزوج وتسافر إلى البلاد البعيدة، فكل الانكليز مرضى بداء السفر، لكنها عندما سافرت إلى الشرق اتخذت خطوة بالتحرك إلى الأمام على الأقل في ذهنها.
ويكتب "لم تعد مانتل إلى السرد التوراتي الشائع في كتابة "صالة الذئب" ولم تود أن تكرر الأفلام الوثائقية والمسرحيات وكتب السير التاريخية، كانت تبحث في تلابيب الشيخوخة كما كانت تحاور الطفولة، انطلاقا من طفولتها التي لا تنقصها الوحشة وسمات العذاب.
الكاتبة الثانية في "فاكهة الكلمات" هي الأميركية مادلين ميلر، التي يرى انها بعدسات عينيها المستدقة لن تكون نذير شؤم على جائزة اورانج للكاتبات الروائيات وهي تنال جائزة العام 2012 عن اول رواية تنشرها "أغنية آخيل". لان الجائزة تغير اسمها بعد ان تخلت الجهة الداعمة لها. "تحول أسم الجائزة في عام 2013 إلى جائزة المرأة للرواية وأعلن عن قائمة المتنافسات ومن بينهن هيلاري ما نتل وزادي سميث".
ويقرب لنا صورة هذه الكاتبة المعاصرة عبر وصف أحد الأصدقاء السابقين لميلر كتابها بالقاسي وانه مثل خيال مروحة، ويمكن أن نفهم هذا الكلام عندما نقرأ ما كتبه الناقد مندلسون دانيال في صحيفة "نيويورك تايمز" بقوله "إن هذا الكتاب له رأس رواية الشباب البالغين، على جثة إلياذة هوميروس، ومتنه من باربارا كارتلاند".
تتناول الرواية حياة الأمير الشاب باتروكلوس، الذي نفي إلى فيثيا حيث يلتقي ويصادق آخيل الشاب القوي الوسيم.
انها صناعة للتاريخ بأنامل معاصرة، وذاكرة طفلة غضة هي مادلين التي كانت تستمع إلى أمها تقرأ لها الإلياذة والأوديسة وتخفي عنها مشاهد العنف وربما الجنس.
التاريخ في هذه الرواية يرتدي نفس عدسات مادلين ميلر الطبية، لكنه أكثر عنفاً واحتداماً وعاطفة مما درسته ميلر وما تُدرسه الآن، قدرها ان تكون مُدرسة تاريخ منذ ان تعلمت اللغة اللاتينية وكان عمرها 11 سنة.
باختصار إنها رواية المغامرة والحب، لكنها تعتمد على كيفية قراءتها.
لماذا باتروكلوس؟ تتساءل ميلر، وتقول إنها كانت تعرفه منذ أن قرأت لأول مرة الياذة هوميروس. حزنت على وفاته، وكان مثيراً للصدمة لديها، فبقيت مبهورة به مثله مثل شخصية آخيل فحاولت في الرواية فهم علاقتهما.
الروائية البريطانية روز تريمين كاتبة أخرى حصلت على جائزة اورانج عن روايتها "الطريق إلى المنزل".
وهذه الكاتبة التي اقتربت من العقد السبعيني تبدو لنا انها تجسد صورة الكاتب المترقب للأيام، عندما يعرض مؤلف كتاب "فاكهة الكلمات" لتجربتها في العلاقات الزوجية وطبيعة حياتها وكيف تتأمل مكتبها وحديقة منزلها وحتى طاولة الكتابة العتيقة والقبيحة والتي تصر على الاحتفاظ بها.
أما روايتها "الطريق الى المنزل" قصة ليف، فهي أشبه بسيرة للمهاجر من أوروبا الشرقية إلى إنكلترا سعياً وراء تأمين حياة أفضل لوالدته وابنته، لتسرد في لغة شعرية تميل غالباً إلى الإيحاء السحري والغرائبية، يوميات المهاجرين وسط مجتمع صعب المراس، قاس في قبول المهاجرين والاندماج معه.
سيرة ليف، هي نفسها سيرة عشرات الآلاف من المهاجرين إلى بريطانيا بحثاً عن الكرامة المهدورة في بلادهم، والحلم الذي رافقهم منذ الطفولة.
جانيت وينتيرسون كاتبة أخرى أخذت من كرم نعمة مساحة في كتاب سابق له، كما عرض في أكثر من مقال منشور له لتجربتها والجديد الذي يصدر لها، ويكاد يكون هو أول من قدمها للقارئ العربي من دون أن يفسر لنا "الاهتمام المبالغ بتجربتها الروائية"!
في كتابه الجديد يعرض لسيرتها التي نشرت تحت عنوان "لماذا نسعى لنكون سعداء في حين يكفي أن نكون طبيعيين"، وهو موضع احتفاء نقدي منذ ظهوره في المكتبات، وكل العروض التي كتبت عنه تكاد تعيد قوس الكلام إلى رواية وينتيرسون الأولى "البرتقالة ليست الفاكهة الوحيدة". حتى ان "بي بي سي" خصصت أشهر برامجها الإذاعية لقراءة مقاطع من الكتاب بصوت جانيت نفسها.
والكتاب مذكرات واقعية بامتياز، مفعم بالحوار الشعري والروائي، لا يخلو من الحِكم والغضب والتهكم، انه ببساطة كتاب تعيد فيه جانيت العلاقة الضائعة مع أمها!
تكتب بما يشبه الاعتراف أن حياتها كانت ثيمة روايتها الأولى، وهذه المرة في كتاب مذكرات، تعيد الكلام إلى الصلة المفقودة مع أمها بالتبني وكيف كانت تعتقد ان الشيطان يمكث في سريرها عندما ترى كتاباً بيد ابنتها غير الكتاب المقدس، الأمر الذي جعلها تمنع دخول أي كتاب إلى المنزل إلا الكتاب المقدس.
تقول جانيت "أرادتني أمي أن أحقق شيئاً ما تعوض فيه ما عانته من احباطات في كل طموحاتها... اهتمت كثيراً أن تجعلني مبشرة، واليوم أشعر أنني لم أكن أعرف ماذا كانت تريد مني، أو تريدني أن أكون".
اما آن انرايت فيستطيع القارئ ان يشم في راويتها "الاجتماع" الحاصلة على جائزة بوكر، رائحة طعام العائلة كما يبحر في تاريخها، وهي تدور حول امرأة أيرلندية يدفعها انتحار أخيها إلى زيارة ثلاثة أجيال من تاريخ عائلتها المفككة، الأمر الذي دفع انرايت إلى القول في نصيحة مخلصة بعد نيلها الجائزة "عندما ينتقي الناس كتاباً فإنهم ربما يكونون يرغبون في إقتناء شيء يضفي عليهم السعادة، في هذه الحالة لا يتعين عليهم شراء كتابي... إنه المعادل الفكري لفيلم من أفلام هوليوود المفعمة بالعواطف".
بنفس هذه اللغة المسكونة بالإيحاء يعرض لتجارب الروائيات أليسون كينيدي الحاصلة على جائزة كوستا الأدبية، والتي يصفها بفرجينيا وولف معاصرة. وليونيل شريفر التي هشمت أسطورة الأمومة بروايتها "نحتاج للحديث بشأن كيفين" والتي حولت الى فيلم سينمائي فيما بعد وحصل على عدة جوائز، وزادي سميث التي اكتشفت صوتها في الكلمات، وكيف انهارت دموعها في أفخم الرواقات البريطانية بعد حصولها على جائزة اورانج عن روايتها "عن الجمال"، ثم عالمة الانثربولوجيا كاثي ريتشس التي تجمع اختصاصها النادر في الطب الشرعي بالكتابة وحتى صاحبة رواية "فتاة الوشاح الأحمر" جي لي يانج.
والكتاب الذي كان تصميمه "انثويا" بامتياز احتوى متنه على صورة بالألوان لكل كاتبة تسبق القطعة التي تتناول تجربتها، غير الصور على الغلاف. وهو في النهاية نافذة على أدب تكتبه المرأة في الغرب بتواصل ويحتاج القارئ العربي التعرف عليه بطريقة ما.