كتاب عن المثقف والثورة

عزمي بشارة

نصوص وخواطر

بيد أنّ رحلة التمييز والتفريق لا تتوقّف هنا، بل تتواصل لترسم الحدود بين المثقّف والعامل في مجالٍ معرفي يستثمر فيه نشاطه الذهني أساسًا، والأكاديمي المنهمك في اختصاصه وحده، والفاعل الاجتماعي الذي يُعْنى بشؤونٍ عديدة دون فقه مجال واحد في العمق، وصولًا إلى التمييز بين المثقّف وبقيّة أفراد المجتمع.


هكذا، تتوصّل المقالة، عبر ضروب التمييز ونقد بعض الرؤى، إلى ما تعدّه العلّة وراء اكتساب صفة المثقّف، وهي القدرة على اتّخاذ المواقف استنادًا إلى قاعدة معرفيّة تمكّن من التوصّل إلى أحكامٍ قيميّة أو معياريّة. وبذلك تُعاد الأهمّية إلى الأدوات النظريّة، وإلى النظريّة التي هي، في معناها الهيغلي وبحكم تعريفها، نفي الواقع وإشارةٌ إلى إمكاناته الكامنة.

ويُجلى الربط بين المثقّف والثورة، مزيدًا من الجلاء عبر الإشارة العيانيّة إلى افتقاد المقالة في الثورات العربيّة كلًّا من المثقّف الثوري الذي يحافظ على مسافةٍ نقديّة ليس من النظام فحسب بل من الثورة أيضًا، والمثقّف المحافظ القادر على أن يشرح ضرورة الحفاظ على النظام وإمكانات التغيير القائمة فيه والحكمة التي تنطوي عليها الدولة وتقاليدها. وذلك قبل التمعّن في ضروب المثقّفين بحسب مواقفهم من الثورة، وفي مهمّة المثقّف الثوري التي لا تنتهي مع تفجّر الثورة بل تصبح أعقدَ وأهمّ بالغةً ذروتها في صوغ البدائل من الوضع القائم بعد الثورة.

لا تتوخّى هذه المقالة أن تكون بحثًا سوسيولوجيًّا أو تاريخيًّا شاملًا في موضوع المثقّفين والثورات، بل هي مقالة فكريّة مفهوميّة الطبع تنتج المعرفة عبر النقد كما عبر التمييز والتفريق في المصطلحات، لغويًّا ومفهوميًّا وتاريخيًّا: "المثقّف"، "الانتلجنسي"، "المثقّف العضوي"، وأخيرًا "المثقّف العمومي" الذي يتمّ التركيز على ثقافته العامّة التي تتجاوز الاختصاص مع كونه مثقّفًا عموميًّا في الوقت ذاته، أي متفاعلًا مباشرةً مع المجال العمومي وقضايا المجتمع والدولة.

شارك الكتاب مع اصدقائك