كتاب عيون التحرير: في الأدب والسياسة بقلم أحمد الخميسي.. اذهب إلي ميدان التحرير ، وحدك ، عندما لا يكون هناك سواك . ثبت قدميك في الأرض عندما يختلط آخر الليل بأول الفجر . أنت فقط ، كأنك نقطة الأمل الوحيدة التي تصل الأرض بالفضاءات الشاسعة . قف ، لا تتحرك ، لا تتلفت حولك ، لا تصدر صوتا ، انظر جمرة الشمس الحمراء تحرق سواد الليل كأنك تبتهل خاشعا في محراب الكون لتقع المعجزة .
حينئذ ، إذا كنت وحدك ، وكان قلبك كله يصلي ، كل شعور فيه يصلي، وكل ذكرى ، حينئذ سترى المعجزة : نظرات العيون التي أصابها القناص من على سطح أحد المباني ، النظرات وهي تنزلق من بين العتمة والنور ، وتهبط مطمئنة إليك ، وتقف على كتفيك . النظرات وحدها ، لأن رصاص القناص أصاب العيون وفتت عظام حدقاتها فلم تبق سوى النظرات . القناص الذي جرب كل مهارته ودقته في أعين البشر لم يخطيء هدفه مرة ، كل مرة كان يطفيء النور في العيون الناظرة ، لكنه لم يستطع أن يطفيء النظرات التي كانت هناك . لم تعد هناك في الوجوه محاجر ، ولا حدقات ، ولا لحم ، ولا جفون ، لكن بقت النظرات ، كما تبقى النغمة عالقة في الجو بعد أن تتحطم القيثارة . ابتهل وحدك بخشوع ، وستهبط النظرات إليك ، نظرات غاضبة تتطلع بكبرياء إلي الغد ، ونظرات حالمة تتطلع بأمل، ونظرات مشبعة بالحنين للوطن ، نظرات كثيرة ستهبط إليك ، عندما لا يكون هناك سواك ، عندما يختلط الليل بأول الفجر ، عندما تكون أنت نقطة الأمل الوحيدة التي تصل الأرض بالفضاء . تهبط إليك النظرات البعيدة عن عيونها ، وتسكن عينيك ، لأنها لا تستطيع أن تحيا طويلا من دون طعام . أعطها عينيك ، دعها تشرب من عينيك ماء الحياة ، لكي تعلو ثانية وتسكن الأجواء ، تلك النظرات الغاضبة ، الحالمة ، الآملة . فقط إذهب إلي الميدان ، وحدك ، وانظر جمرة الشمس تحرق الليل ، وابتهل لتقع المعجزة ، حينئذ قد تصبح عيناك كل العيون ، وتسمع نشيدا واحدا ملء الأرض والسماء : أيها الواقفون على حافة المذبحة ..أشهروا الأسلحة .. أشهروا الأسلحة