إن الرحى مهما طال دورانها, ومهما كانت جيدة ومحكمة الصنع, فإنها لا تستطيع أن تعطينا دقيقاً من أي نوع إذا لم تزودنها بالحبوب,كما أنها أيضا لاتستطيع إدخال تحسينات على نوعية الحبوب التي تقوم بطحنها,
فإذا وضعنا فيها قمحا نخره السوس, فإننا سنحصل حتما على دقيق, فيه شيء من السوس.هكذا أدمغتنا, فإننا إذا لم نزودها بالمعرفة المطلوبة, والملائمة فإنها تعمل دون أن تنتج أي أفكار جيدة أو آراء سديدة, وإذا غذيناها بمعلومات مغلوطة أو مشوهة فإنها ستمدنا بأفكار ورؤى مشوهة ومغلوطة وهذا يلقي علينا مسؤولية كبيرة في اختيار الكتب التي نرغب في قراءتها. عقولنا لا تتعامل مع قضايا الوجود المختلفة على نحو مباشر, وإنما عبر أدوات, وأدواتها هي التعريفات والمصطلحات والمفاهيم والأفكار المعلومات, تمامًا كما يتعامل أصحاب المهن المختلفة مع المواد التي يعالجونها,لكن أدواتهم عبارة عن أشياء ملموسة ومحسوسة, فإذا أعرض المرء عن القراءة فإن مخزونه اللغوي يتراجع, أو يكون ضحلا في الأصل, كما أنه يكون فقيرا في المفاهيم والمعلومات المطلوبة لتكوين تصور صحيح عن القضايا التي يرغب في معالجتها