كتاب محمد مكيه 100 عام من العمارة والحياة بقلم خالد السلطاني..قد يجادل البعض، في طبيعة وأهمية عمارة محمد مكيه واتجاهها الأسلوبي. لكن الثابت أن تلك العمارة شكلت بمقاربتها المميزة، أحد أهم تجليات المنجز المعماري العراقي المرموق، واحتلت موقعا مؤثرا في الخطاب المعماري الإقليمي. لقد ارتبطت مقاربة محمد مكية المعمارية بالاهتمام والتأكيد على خصوصية المكان، وثقافته، و"روحه"؛ كمفردة أساسية في عملية الخلق التكويني المؤسسة لعمارة جديدة، كان من ضمن مقوماتها تأويل وإعادة قراءة المنجز المعماري المحلي، ذلك المنجز،
الذي تشكل عبر أزمنة طويلة، وإضافات مبدعة، تعاقب معماريون وبناة مبدعون على إثرائه وديمومته. إن فعالية التأويل، التي تبنتها تلك المقاربة الخلاقة، وإعادة القراءة للموروث المعماري التي وسمت نشاط محمد مكيه التصميمي، كانا يجريان ضمن مستلزمات وقيم عمارة الحداثة، وهي التي ما فتئت أن أصبحت عنوان الممارسة المعمارية العالمية السائدة، ومرجعيتها النظرية. ولعل هذا الأمر، هو الذي يجعل من مقاربة محمد مكية المعمارية أن ترتقي، لتكون حدثا مهماً، ومؤثراً، واستثنائياً بأهميته، في الخطاب المعماري الإقليمي والعالمي.
على امتداد نشاطه الإبداعي الحافل، أغنى محمد مكية البيئة المحلية والإقليمية بشواهد مبنية، تعد الآن صروحاً معمارية، و"أيقونات" بصرية لتلك المدن التي تقع فيها تلك الشواهد. ومثلما أثرى بيئتنا المبنية، فإنه أضاف، أيضاً، الشيء الكثير للمنجز المهني والأكاديمي (وخصوصاً الأكاديمي، الذي به ارتبط اسم مكيه كونه مؤسس وعميد أول مدرسة معمارية بالعراق )، كما للمنجز الثقافي العراقي المتنوع. من هنا، تعد عمارة مكيه، الآن، ملكاً للناس وللثقافة التي أنتجتها، وللمجتمع الذي صمّمت له تلك العمارة.
يتناول الكتاب، إذاً، منتج المعمار العراقي المعروف؛ المنتج، المهم والرائد في العمارة العراقية. ويسعى الكتاب وراء تعقب وتوثيق وتحليل المشاريع والتصاميم التي أعدها مكيه عبر مسار عمره الطويل. يتوقف الكتاب ، بشكل أساس، عند الأهمية القصوى التي من خلالها، عبّر محمد مكيه عن حسه المهني للمكان، وتأثير هذا المكان وثقافته على مجمل التصاميم التي أنجزها المعمار، مثل "مسجد الخلفاء" (1963)، وكلية التربية في باب المعظم (1966)، ومكتبة ديوان الأوقاف (1967) ببغداد، ومبنيي مصرف الرافدين في الكوفة (1968)، وفي كربلاء (1968)، ومسجد الشيخ حمد (1974) في البحرين. وبالطبع، يتناول الكتاب مسجد الكويت الكبير (1982)، ومسجد الصديق (1978)، ومسجد الدولة الكبير في بغداد (1982)، وجامعة الرشيد (1981) في ضواحي بغداد، ومشروع الجامعة العربية في تونس (1983) وغيرها من المشاريع ذات اللغة التصميمية الميزة التي أكسبت تلك العمارة أهميتها، ومنحتها فرادتها.
يوظف المؤلف في نصه الكتابي، أدوات النقد الحديث، لجهة رؤية المنجز المعماري المتحقق لمحمد مكية، بصورة موضوعية وشاملة. كما ينشر كثيرا من الصور التي التقطها المؤلف "شخصيا" عن مباني محمد مكية، وخصوصا مبانيه "العراقية". كما استعار المؤلف صورا ومخططات عديدة من مؤلفات، تعاطت مع منجز محمد مكيه المعماري، مثل كتاب "كلاسيكية ما بعد إسلامية" للدكتور كنعان مكيه، وكذلك كتاب "محمد مكية والعمران المعاصر" للدكتور حسين الهنداوي.