كتاب من نفحات الحرم

كتاب من نفحات الحرم

تأليف : علي الطنطاوي

النوعية : الفكر والثقافة العامة

حفظ تقييم
المجموعة الأولى تضم مقالات "إلى أرض النبوة" و"من المدينة إلى مكة" و"في ساحة الإعدام" و"من المدينة إلى تبوك"، وهذه الفصول تستغرق أكثر من نصف الكتاب بقليل وتصف تلك الرحلة التي حفلت بالغرائب وحفّت بها المخاطر. والذي يقرأ وصف هذه الرحلة لا يجد فيها متعة

قراءة القصة الغريبة فحسب، بل إن فيها كثيراً من الفوائد والمعلومات التي لا نكاد نجدها في بطون الكتب عن الصحراء والحياة في البادية، وفيها صورة أدبية دقيقة عن تبوك والقُرَيّات قبل ثلثَي قرن لا تكاد توجد في أي مرجع آخر، ووصف لمكة والمدينة في تلك الأيام، وفيها حديث عن عادات الناس في طعامهم وشرابهم وضيافتهم، وبعض ذلك مما فوجئ به علي الطنطاوي (الشاب -يومئذ- القادم من الشام): "ما كاد يستقر بنا المجلس حتى أقبل العبيد، فمدّوا سماطاً على الأرض ووضعوا عليه قصعة هائلة كان يحملها اثنان منهم، وقد مُلئت رزّاً وأُلقي فوقه خروف كامل بيديه ورجليه ورأسه... وكان الخروف مفتوح العينين، ناعس الطرف، فأخذتني الشفقة عليه وتوهمت أنه ينظر إلينا وأنه... ثم رأيت أن لا مجال للوهم ولا للخيال، وأن الوقت لا يتسع للأدب؛ لأن القوم أحدقوا بالقصعة وشمروا عن سواعدهم، فخشيت أن يذهبوا بالرز واللحم ويبقى لي الخيال والوهم!". أما سائر مقالات الكتاب فتغلب عليها عواطف الحج ومشاعره وأفكاره، كمقالة "ذكريات الحج"، وقريب منها مقالات "عرفات" و"في البقيع" و"المدينة" و"الصِّلات الروحية بين سورية والمملكة العربية السعودية".

المجموعة الأولى تضم مقالات "إلى أرض النبوة" و"من المدينة إلى مكة" و"في ساحة الإعدام" و"من المدينة إلى تبوك"، وهذه الفصول تستغرق أكثر من نصف الكتاب بقليل وتصف تلك الرحلة التي حفلت بالغرائب وحفّت بها المخاطر. والذي يقرأ وصف هذه الرحلة لا يجد فيها متعة

قراءة القصة الغريبة فحسب، بل إن فيها كثيراً من الفوائد والمعلومات التي لا نكاد نجدها في بطون الكتب عن الصحراء والحياة في البادية، وفيها صورة أدبية دقيقة عن تبوك والقُرَيّات قبل ثلثَي قرن لا تكاد توجد في أي مرجع آخر، ووصف لمكة والمدينة في تلك الأيام، وفيها حديث عن عادات الناس في طعامهم وشرابهم وضيافتهم، وبعض ذلك مما فوجئ به علي الطنطاوي (الشاب -يومئذ- القادم من الشام): "ما كاد يستقر بنا المجلس حتى أقبل العبيد، فمدّوا سماطاً على الأرض ووضعوا عليه قصعة هائلة كان يحملها اثنان منهم، وقد مُلئت رزّاً وأُلقي فوقه خروف كامل بيديه ورجليه ورأسه... وكان الخروف مفتوح العينين، ناعس الطرف، فأخذتني الشفقة عليه وتوهمت أنه ينظر إلينا وأنه... ثم رأيت أن لا مجال للوهم ولا للخيال، وأن الوقت لا يتسع للأدب؛ لأن القوم أحدقوا بالقصعة وشمروا عن سواعدهم، فخشيت أن يذهبوا بالرز واللحم ويبقى لي الخيال والوهم!". أما سائر مقالات الكتاب فتغلب عليها عواطف الحج ومشاعره وأفكاره، كمقالة "ذكريات الحج"، وقريب منها مقالات "عرفات" و"في البقيع" و"المدينة" و"الصِّلات الروحية بين سورية والمملكة العربية السعودية".

ولد علي الطنطاوي في دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 (12 حزيران (يونيو) 1909) لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وأسرة أمه أيضاً (الخطيب) من الأسر العلمية في الشام وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين. كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها، ودرس الثانوية في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928. بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931.
ولد علي الطنطاوي في دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 (12 حزيران (يونيو) 1909) لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وأسرة أمه أيضاً (الخطيب) من الأسر العلمية في الشام وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين. كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها، ودرس الثانوية في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928. بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931.