كتاب ميكرو صوفيا   بقلم ماهر عبد المحسن  .. بحث الإنسان عن الحكمة لا ينتهي، منذ بدايات الخليقة وحتى يومنا هذا، فالحكمة هي ضالة المؤمن، والفلسفة هي محبة الحكمة. وللحكمة مصادر كثيرة، قد نجدها في الفلسفة أو في الدين أو في الفن أو العلم أو الأدب، بل تكمن الحكمة في الأمثال الشعبية، والأقوال المأثورة، التي، للمفارقة، لم تجعل الحكمة حكرا على العقلاء من الناس، لكن أيضا المجانين عندما قالت "خذ الحكمة من أفواه المجانين"، وهي حكمة تبدو ضد الحكمة، لكنها تكشف المنابع الكثيرة للحكمة التي لا تقف عند حد. وكما للحكمة مصادر كثيرة فإن لها صورا كثيرة كذلك، فقد تأتي في شكل قصة أو قصيدة أو مقال أو دراسة علمية، لكن الشائع أن تأتي في شكل أقوال قليلة مأخوذة عن هذه الأشكال الأكثر تعقيدا. لكن يحدث أن تكون الحكمة مكتوبة خصيصا في هذا الشكل من الأقوال القصيرة. يحدث ذلك، غالبا، عندما ينقل هذه الأقوال التلاميذ عن أساتذتهم من الأدباء والمفكرين، أو ينقلها الصحفيون عن الشخصيات العامة من رجال الفكر والعلم والسياسة، أو عن النوابغ من مشاهير الفن والرياضة ورجال الأعمال الناجحين. وقد عرف تاريخ الفكر نمطا من هذه الأقوال المنطوية على الحكمة يُطلق عليها "الشذرات الفكرية"، وهي شكل من الكتابة برع فيه بعض الفلاسفة القدماء مثل هيراقليطس في "جدل الحب والحرب" ونيتشه في "هكذا تكلم زرادشت"، وحديثا نجد الشيء نفسه لدى الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسو في يومياته ومختاراته الشعرية، كما نجد في ثقافتنا المعاصرة العديد من مفكري العربية الذي ساروا في الاتجاه نفسه مثل أنيس منصور الذي ألف كتابا ضخما ضمنه آراءه في الحياة والفن والأدب في شكل أقوال قصيرة بعنوان "قالوا". وبهذا المعنى، فطن البعض لهذه الظاهرة فعمل على نشرها في كتب مستقلة باعتبارها أقوالا تعكس الحالة النفسية والفكرية لمؤلفها، وتكشف عن مدي عمق تفاعله مع الواقع اليومي، الاجتماعي والسياسي، وهي مسألة مهمة تعبّر عن مدى خصوبة الكلمة وحيويتها في لحظات إنسانية وتاريخية معينة .