كتاب وعاظ السلاطين تأليف علي الوردي .. إن هذا الكتاب يطرح أمور مختلفة منها: إن منطق الوعظي الأفلاطوني هو منطق المترفين والظلمة, وإن التاريخ لا يسير علي أساس التفكير المنطقي إنه بالأحري يسير علي أساس ما في طبيعة الإنسان من نزعات أصيلة لا تقبل التبديل, وإن الأخلاق ما هي إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية. نأمل من القارئ الكريم أن يتأمل الكتاب ويقرأه بتأني وأن لايصدر حكمه من خلال فقرات محدودة بل عليه أن يأخذ الكتاب كله ويصدر الحكم.
2023-10-01
**** ما أمتع أن نرى تاريخنا الإسلامي العربي بعينٍ جديدة ليست بعينِ مؤرخٍ و لا رجلِ دِين و لكن بعين عالم الاجتماع وعلم النفس... لنرى زاوية معتمة من تاريخنا ألا و هى "الجبهة الداخلية للدولة الإسلامية" حيث لم يسبق و أن تجرأ على رؤيتها من تلك الزاوية إلا القليل من الكُتَّاب ...
** "وعاظ السلاطين" رؤية جديدة لمنطقة تاريخية مُحَرَّمة حيث التبحُّر فيها أشبه بالمرور بحقل ألغام للكاتب العراقي "علي الوردي" أول لقائي بهذا الكاتب و بهذا اللون من الكتابات عامةً.
* خلطة فكرية جديدة بين التاريخ العربي الإسلامي و خاصة الشائك و المُعَقد منه و بين علم الاجتماع و علم النفس و الفلسفة و غيرهم من العلوم الإنسانية الأخرى مرصعاً ببديعِ اللغة العربية الفصحى و التى كانت بمثابة تحديثاً رائعاً لأمهات الكتب القديمة.
* الكتاب بمثابة تكسير لكل التابوهات التاريخية و العربية و الإسلامية لم تخلُ من بعض الشطحات التى لا بأس من بعضها... وهى جرأة عجيبة من الكاتب فلطالما قرأت تحديات لتكسير بعض الثوابت التاريخية مثل "الفتنة الكبرى" "لطه حسين" أو للعهد الأموي أو العباسي أو غيرهم من المقدَّسات الراسخة فى أذهان العرب والمسلمين .. لكن أن تجد من يتحدى الجميع و بالتالي يستعدي الكل فهذا هو الجديد بالنسبة لي.
**** مميزات الكتاب:
١- لغة عربية قوية رصينة خالية من الأخطاء الإملائية و النحوية و شرحاً عصريا منقَّحاً لأمهات الكتب القديمة ترتقي لأن تكون أداة الكاتب فى هذا الموضوع الشائك.
٢- الشجاعة التى يُحسَد عليها الكاتب فى تناوله موضوعات ملغمة و المشي على أشواك التاريخ الإسلامي دون تحسب للخسائر.
٣-محاولة التوفيق بين السنة و الشيعة و إثبات خروجهم من رَحِم واحد ألا وهو الإصلاح الاجتماعي و الثورة ضد الحُكام و تلخيص الصراع بينهما في أنه صراع بين حديثي "الغدير" و "الخميس".
٤- رؤية جديدة و عرض مميز للفتنة الكبرى و الوقوف على أسبابها و اتهام _منطقي جداً_ بتورط "مروان بن الحكم" فى مقتل "عثمان بن عفان" و استخدام "معاوية" لقميص "عثمان" للوصول للحكم.
٥- من أكثر ما أعجبني عَقْد الكاتب مقارنة نفسية بين الأمويين و العباسيين من حيث ازدواجية الشخصية فالأول أهملَ الجانب الديني و اعتمد على السيف لتوطيد أركان حكمه أما الآخر ارتدى لباس التقوى ظاهرياً فقط.
***** معضلة الكتاب:
- فى رأيي تكمن معضلة الكتاب فى الآتي :
١- جعل الكاتب الاشتراكية ديناً و الإسلام جاء لاعناً للأغنياء.. لدرجة أن الكاتب قال بالحرف "أكبر نقمة على الإسلام كانت فى إيمان زعماء قريش بعد الفتح المبين" و هذا الأساس الذي بنى عليه الكاتب باقي نتائجه باطل..... إذ أن الإسلام ليس ضد الرأسمالية بل يسمح بظهور الطبقات و لكن مع وجود حق للسائل و المحروم فى أموال الأغنياء.
٢- التطرف فى آراء الكاتب.. و هذا ظهر في إسراف الكاتب فى الحُكم بالظن و استنطاق بواطن النفوس فى أحداث كبرى؛ وهذا وإن كانت تعتبر قراءة جديدة من زاوية مُعتمة لتاريخنا العربي؛ و لكن هذا الإسراف جاء لدرجة شُيوع كلمات مثل "يُخَيَّل لي" و "يقال" مثل أن أبا بكر كان يضمر الكُره لقريش؛ أو أن أبا سفيان تمنى فى داخله انتصار الروم على المسلمين في اليرموك... ما أخرج الكاتب من دائرة الحياد.
٣- يرى الكاتب رجال قريش بعينٍ مُجَردة دون النظر إلى إسلامهم من عدمه؛ و كأن الإسلام ما هو إلا كلمة تُنطَق باللسان و لا تصل إلى القلب و نسى الكاتب أن الإسلام يجبُّ ما قبله.... و لكن هذا لا ينفي وجود أحقاد دفينة بين بعض حديثي العهد بالإسلام.
٤- الكاتب يقيس فترة التاريخ الإسلامي بمقياسنا الحديث و هذا لا يصح دائما (كما قال (أحمد أمين) صفحة ٥٣ )فمثلاً وجود موالي من أسرى الفرس مع الصحابة بمقياسنا الحالي يعتبر استعباد و استرقاق و لكن قديماً لا تؤخذ الأمور بنفس الصفة.
٥- لم تظهر هوية الكاتب فى بداية مبحثه لدرجة أنني توقعت أنه "ليبرالي" و لكن كلما غصنا فى بحر الكتاب كلما طغت هوية الكاتب الشيعية العراقية الاشتراكية ... و إن كان من المعتدلين لا المتعصبين فقد انتقد طقوس الشيعة الشهيرة .
**** ملاحظات على الكتاب :
١- العنوان : "وعاظ السلاطين" لا يُعبِّر عن محْتوى الكتاب إلا فى بضع صفحات بأول و آخر الكتاب و للأسف لم يكن نقداً لهم بقدر ما كان تهجماً على الوعظ ذاته بينما انصبَّ باقي الكتاب على الفتن.
٢- المقدمة :صادمة منفرة للقارئ الغير صبور فقد كانت بها تحامل على الحجاب و عدم الاختلاط و تحميلهما اسباب الانهيار الأخلاقي بين المسلمين و مقارنه مجحفة مع الغرب و عظم اخلاقهم... و لعل الكاتب أراد بهذا عمل عصف ذهني للقارئ التقليدي.
٣- بالطبع لم يعجبني التحدث عن رسولنا الكريم باسمه "محمد" دون الصلاة و السلام عليه!! فهذا لا يندرج تحت بند التأريخ المُجرَّد من الهوى بقدر ما يكون تحدُّث عن رسولنا بما لا يليق به.
٤- بدأ الكاتب فى فصله الخاص "بعبد الله بن سبأ" الاستناد إلى مصادر تدعم وهمية تلك الشخصية مثل "طه حسين".. و هذا طبيعي و منطقي فمن المستحيل أن يأتي شخص يهودي من اليمن و يضلل كبار الصحابة و لكن الصدمة كانت في فصل "عمار بن ياسر" و الذى أراد فيه الكاتب الربط بينه و بين "بن سبأ" بأدلة واهية و غير مقنعة بل و زاد الكاتب من الطين بَلَّة بقوله أن "عمار بن ياسر" قد قتل عثماناً و اعترف صراحةً على مرأى و مسمع من الخلائق.
٥- الفصل الخاص "بعبد الله بن سبأ" لم يتعرض له إلا فى بضع سطور و أسهب بعد ذلك فى حديث مكرر عن الاشتراكية و العدالة الاجتماعية و هو ما وضعه تحت طائلة الملل.
٦- هناك بعض المغالطات فى المصادر حيث يذكر الكاتب غريب القول من القصص و لا تجد فى مصدره المذكور أسفل الصفحة شيئاً من تلك القصة الموضوعة.
٧- قام الكاتب بعمل إسقاط و مقارنة سياسية اجتماعية بين حال المسلمين إبان الفتنة الكبرى وبين حال المصريين قبيل ثورة (٥٢)... و هذا وإن كان يدل على ذكاء الكاتب إلا أنه هناك بعض الاختلافات الجوهرية بين الثورتين من حيث الدوافع و المنفذين.
**** مبالغات و روايات ضعيفة:
- دعمَ الكاتب أغلب قصصه المثيرة للجدل بمصادرها المتنوعة و التى دلت على سعة أفق الكاتب و ثقافته الواسعة و قراءته لمختلف الكُتَّاب فى التاريخ الإسلامي سواء المستشرقين الغرب أو القامات العربية العالية.. و لكن هناك بعض الروايات الضعيفة الواهية الغير مدعمة بمصادر كافية وكانت تبدأ غالباً (بيُقَال) أو (سمعت) بالإضافة إلى بعض المبالغات التى ظهرت فى بعض القصص التى أوردها الكاتب مثل:
١- صفحة (٤٢) إجازة "الأمين" لِمُغَنِّي بعشرين مليون درهم لتغزله بالغلمان.
٢- صفحة (٤٩) قصة نقض "الرشيد" لعهد الأمان مع "يحيى العلوي" بفتوى ممن يسمونهم (وعاظ السلاطين) ضعيفة و لكن جاءت معبرة كمثال على المقياس (الأرسطوطاليسي) أي القدرة على الإتيان بمؤيدات لأي رأي و نقيضه تماماً.
٣- صفحة (٧٣) (حارب محمد أغنياء قريش).. لم يحدث ان حارب رسولنا الأغنياء و كأن الكاتب أراد أن يصور أن الإسلام دين للفقراء و هذا ليس بصحيح فهناك من أوائل المسلمين الغني و الفقير و السيد و العبد.
٤- صفحة (٨٦) عن رواية (ضرب بعض الصحابة لبعضهم بالنعال ) رواية مفزعة و لا أتصور صحتها حتى وإن كانت فى "البخاري" كما قال الكاتب.
٥- صفحة (١٢٠) يحاول الكاتب التحدث عن الرسالة النبوية على أنها محاولة دنيوية بحتة قام بها أحد البشر لإنشاء دولة مترامية الأطراف و هذا فيه تضليل فهى رسالة سماوية قامت على أكتافها دولة حتى وإن حادت تلك الدولة عن الطريق القويم فى بعض الأوقات.
٦-صفحة (١٢٤) هل من المنطق أن ينادي "أبو سفيان" بالنصر للروم فى اليرموك حتى وإن كان غير مشبع بالإيمان.. منطقياً ما الداعي لذلك!! فهو لن يزيده رفعةً و شأناً إذا فاز الروم؛ كما أنها ليست مباراة كرة قدم ليشجع من يريد فهو إمَّا مشاركاً فى المعركة مع المسلمين بالطبع أو باقي فى مكة و بالتالي لن يجرؤ وسط المسلمين أن يجهر بمثل هذا الهراء.
٧- صفحة (١٢٥) عن أسباب عزل "الفاروق" "لابن الوليد" أنصح بقراءة هذا الجزء من كتاب "الشيخان" "لطه حسين".
٨- صفحة (١٣٠) تجني جديد على "أبي سفيان" بأن ركل بقدمه قبر سيد الشهداء و لا تعليق!!!
**** إجمالاً كتاب فكري يعيد صياغة علاقة الدين بالدولة عبر التاريخ؛ رؤية و معالجة تاريخية جديدة بعين علم النفس و الاجتماع.. تميزت بالجرأة و الخوض فى التابوهات التى صنعها السابقون كما امتازت بالاستمتاع بجمال اللغة العربية ولكن مع تحفظي و استيائي من طريقة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه مجرداً دون مبرر.. يبقى فى النهاية مجهود عظيم و إضافة جديدة يُنصَح بها للقارئ المُتمَرِّس الذى لا يهاب النص و ليس المبتدئ فهو قد يبدو له كَدَس السُّم فى العسل.
** "وعاظ السلاطين" رؤية جديدة لمنطقة تاريخية مُحَرَّمة حيث التبحُّر فيها أشبه بالمرور بحقل ألغام للكاتب العراقي "علي الوردي" أول لقائي بهذا الكاتب و بهذا اللون من الكتابات عامةً.
* خلطة فكرية جديدة بين التاريخ العربي الإسلامي و خاصة الشائك و المُعَقد منه و بين علم الاجتماع و علم النفس و الفلسفة و غيرهم من العلوم الإنسانية الأخرى مرصعاً ببديعِ اللغة العربية الفصحى و التى كانت بمثابة تحديثاً رائعاً لأمهات الكتب القديمة.
* الكتاب بمثابة تكسير لكل التابوهات التاريخية و العربية و الإسلامية لم تخلُ من بعض الشطحات التى لا بأس من بعضها... وهى جرأة عجيبة من الكاتب فلطالما قرأت تحديات لتكسير بعض الثوابت التاريخية مثل "الفتنة الكبرى" "لطه حسين" أو للعهد الأموي أو العباسي أو غيرهم من المقدَّسات الراسخة فى أذهان العرب والمسلمين .. لكن أن تجد من يتحدى الجميع و بالتالي يستعدي الكل فهذا هو الجديد بالنسبة لي.
**** مميزات الكتاب:
١- لغة عربية قوية رصينة خالية من الأخطاء الإملائية و النحوية و شرحاً عصريا منقَّحاً لأمهات الكتب القديمة ترتقي لأن تكون أداة الكاتب فى هذا الموضوع الشائك.
٢- الشجاعة التى يُحسَد عليها الكاتب فى تناوله موضوعات ملغمة و المشي على أشواك التاريخ الإسلامي دون تحسب للخسائر.
٣-محاولة التوفيق بين السنة و الشيعة و إثبات خروجهم من رَحِم واحد ألا وهو الإصلاح الاجتماعي و الثورة ضد الحُكام و تلخيص الصراع بينهما في أنه صراع بين حديثي "الغدير" و "الخميس".
٤- رؤية جديدة و عرض مميز للفتنة الكبرى و الوقوف على أسبابها و اتهام _منطقي جداً_ بتورط "مروان بن الحكم" فى مقتل "عثمان بن عفان" و استخدام "معاوية" لقميص "عثمان" للوصول للحكم.
٥- من أكثر ما أعجبني عَقْد الكاتب مقارنة نفسية بين الأمويين و العباسيين من حيث ازدواجية الشخصية فالأول أهملَ الجانب الديني و اعتمد على السيف لتوطيد أركان حكمه أما الآخر ارتدى لباس التقوى ظاهرياً فقط.
***** معضلة الكتاب:
- فى رأيي تكمن معضلة الكتاب فى الآتي :
١- جعل الكاتب الاشتراكية ديناً و الإسلام جاء لاعناً للأغنياء.. لدرجة أن الكاتب قال بالحرف "أكبر نقمة على الإسلام كانت فى إيمان زعماء قريش بعد الفتح المبين" و هذا الأساس الذي بنى عليه الكاتب باقي نتائجه باطل..... إذ أن الإسلام ليس ضد الرأسمالية بل يسمح بظهور الطبقات و لكن مع وجود حق للسائل و المحروم فى أموال الأغنياء.
٢- التطرف فى آراء الكاتب.. و هذا ظهر في إسراف الكاتب فى الحُكم بالظن و استنطاق بواطن النفوس فى أحداث كبرى؛ وهذا وإن كانت تعتبر قراءة جديدة من زاوية مُعتمة لتاريخنا العربي؛ و لكن هذا الإسراف جاء لدرجة شُيوع كلمات مثل "يُخَيَّل لي" و "يقال" مثل أن أبا بكر كان يضمر الكُره لقريش؛ أو أن أبا سفيان تمنى فى داخله انتصار الروم على المسلمين في اليرموك... ما أخرج الكاتب من دائرة الحياد.
٣- يرى الكاتب رجال قريش بعينٍ مُجَردة دون النظر إلى إسلامهم من عدمه؛ و كأن الإسلام ما هو إلا كلمة تُنطَق باللسان و لا تصل إلى القلب و نسى الكاتب أن الإسلام يجبُّ ما قبله.... و لكن هذا لا ينفي وجود أحقاد دفينة بين بعض حديثي العهد بالإسلام.
٤- الكاتب يقيس فترة التاريخ الإسلامي بمقياسنا الحديث و هذا لا يصح دائما (كما قال (أحمد أمين) صفحة ٥٣ )فمثلاً وجود موالي من أسرى الفرس مع الصحابة بمقياسنا الحالي يعتبر استعباد و استرقاق و لكن قديماً لا تؤخذ الأمور بنفس الصفة.
٥- لم تظهر هوية الكاتب فى بداية مبحثه لدرجة أنني توقعت أنه "ليبرالي" و لكن كلما غصنا فى بحر الكتاب كلما طغت هوية الكاتب الشيعية العراقية الاشتراكية ... و إن كان من المعتدلين لا المتعصبين فقد انتقد طقوس الشيعة الشهيرة .
**** ملاحظات على الكتاب :
١- العنوان : "وعاظ السلاطين" لا يُعبِّر عن محْتوى الكتاب إلا فى بضع صفحات بأول و آخر الكتاب و للأسف لم يكن نقداً لهم بقدر ما كان تهجماً على الوعظ ذاته بينما انصبَّ باقي الكتاب على الفتن.
٢- المقدمة :صادمة منفرة للقارئ الغير صبور فقد كانت بها تحامل على الحجاب و عدم الاختلاط و تحميلهما اسباب الانهيار الأخلاقي بين المسلمين و مقارنه مجحفة مع الغرب و عظم اخلاقهم... و لعل الكاتب أراد بهذا عمل عصف ذهني للقارئ التقليدي.
٣- بالطبع لم يعجبني التحدث عن رسولنا الكريم باسمه "محمد" دون الصلاة و السلام عليه!! فهذا لا يندرج تحت بند التأريخ المُجرَّد من الهوى بقدر ما يكون تحدُّث عن رسولنا بما لا يليق به.
٤- بدأ الكاتب فى فصله الخاص "بعبد الله بن سبأ" الاستناد إلى مصادر تدعم وهمية تلك الشخصية مثل "طه حسين".. و هذا طبيعي و منطقي فمن المستحيل أن يأتي شخص يهودي من اليمن و يضلل كبار الصحابة و لكن الصدمة كانت في فصل "عمار بن ياسر" و الذى أراد فيه الكاتب الربط بينه و بين "بن سبأ" بأدلة واهية و غير مقنعة بل و زاد الكاتب من الطين بَلَّة بقوله أن "عمار بن ياسر" قد قتل عثماناً و اعترف صراحةً على مرأى و مسمع من الخلائق.
٥- الفصل الخاص "بعبد الله بن سبأ" لم يتعرض له إلا فى بضع سطور و أسهب بعد ذلك فى حديث مكرر عن الاشتراكية و العدالة الاجتماعية و هو ما وضعه تحت طائلة الملل.
٦- هناك بعض المغالطات فى المصادر حيث يذكر الكاتب غريب القول من القصص و لا تجد فى مصدره المذكور أسفل الصفحة شيئاً من تلك القصة الموضوعة.
٧- قام الكاتب بعمل إسقاط و مقارنة سياسية اجتماعية بين حال المسلمين إبان الفتنة الكبرى وبين حال المصريين قبيل ثورة (٥٢)... و هذا وإن كان يدل على ذكاء الكاتب إلا أنه هناك بعض الاختلافات الجوهرية بين الثورتين من حيث الدوافع و المنفذين.
**** مبالغات و روايات ضعيفة:
- دعمَ الكاتب أغلب قصصه المثيرة للجدل بمصادرها المتنوعة و التى دلت على سعة أفق الكاتب و ثقافته الواسعة و قراءته لمختلف الكُتَّاب فى التاريخ الإسلامي سواء المستشرقين الغرب أو القامات العربية العالية.. و لكن هناك بعض الروايات الضعيفة الواهية الغير مدعمة بمصادر كافية وكانت تبدأ غالباً (بيُقَال) أو (سمعت) بالإضافة إلى بعض المبالغات التى ظهرت فى بعض القصص التى أوردها الكاتب مثل:
١- صفحة (٤٢) إجازة "الأمين" لِمُغَنِّي بعشرين مليون درهم لتغزله بالغلمان.
٢- صفحة (٤٩) قصة نقض "الرشيد" لعهد الأمان مع "يحيى العلوي" بفتوى ممن يسمونهم (وعاظ السلاطين) ضعيفة و لكن جاءت معبرة كمثال على المقياس (الأرسطوطاليسي) أي القدرة على الإتيان بمؤيدات لأي رأي و نقيضه تماماً.
٣- صفحة (٧٣) (حارب محمد أغنياء قريش).. لم يحدث ان حارب رسولنا الأغنياء و كأن الكاتب أراد أن يصور أن الإسلام دين للفقراء و هذا ليس بصحيح فهناك من أوائل المسلمين الغني و الفقير و السيد و العبد.
٤- صفحة (٨٦) عن رواية (ضرب بعض الصحابة لبعضهم بالنعال ) رواية مفزعة و لا أتصور صحتها حتى وإن كانت فى "البخاري" كما قال الكاتب.
٥- صفحة (١٢٠) يحاول الكاتب التحدث عن الرسالة النبوية على أنها محاولة دنيوية بحتة قام بها أحد البشر لإنشاء دولة مترامية الأطراف و هذا فيه تضليل فهى رسالة سماوية قامت على أكتافها دولة حتى وإن حادت تلك الدولة عن الطريق القويم فى بعض الأوقات.
٦-صفحة (١٢٤) هل من المنطق أن ينادي "أبو سفيان" بالنصر للروم فى اليرموك حتى وإن كان غير مشبع بالإيمان.. منطقياً ما الداعي لذلك!! فهو لن يزيده رفعةً و شأناً إذا فاز الروم؛ كما أنها ليست مباراة كرة قدم ليشجع من يريد فهو إمَّا مشاركاً فى المعركة مع المسلمين بالطبع أو باقي فى مكة و بالتالي لن يجرؤ وسط المسلمين أن يجهر بمثل هذا الهراء.
٧- صفحة (١٢٥) عن أسباب عزل "الفاروق" "لابن الوليد" أنصح بقراءة هذا الجزء من كتاب "الشيخان" "لطه حسين".
٨- صفحة (١٣٠) تجني جديد على "أبي سفيان" بأن ركل بقدمه قبر سيد الشهداء و لا تعليق!!!
**** إجمالاً كتاب فكري يعيد صياغة علاقة الدين بالدولة عبر التاريخ؛ رؤية و معالجة تاريخية جديدة بعين علم النفس و الاجتماع.. تميزت بالجرأة و الخوض فى التابوهات التى صنعها السابقون كما امتازت بالاستمتاع بجمال اللغة العربية ولكن مع تحفظي و استيائي من طريقة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه مجرداً دون مبرر.. يبقى فى النهاية مجهود عظيم و إضافة جديدة يُنصَح بها للقارئ المُتمَرِّس الذى لا يهاب النص و ليس المبتدئ فهو قد يبدو له كَدَس السُّم فى العسل.