السفر... السفر... السفر... تلك هي رغبتي منذ كنت طفلاً، وأعتقد أني لن أتخلى عنها في الزمن القريب على الأقل.. أريد أن أذهب إلى أقاصي العالم.. إلى سيبيريا.. وإلى كاليفورنيا.. وإلى جزر المحيط الهادي هناك حيث يعيش أقوام بدائيون..
أريد أن أذهب إلى غابات الأمازون.. وإلى صحراء الربع الخالي.. وإلى التشاد.. لما لا؟! العالم كله جميل يغري واحد مثلي بالسفر الدائم. وهذا أمر يخيف أمي إذ أنها لا تحتمل أن أبتعد عنها زمناً طويلاً. إن طريقتي في الحياة لا تروق لأهل قريتي. وآخر مرة، أحسست أنهم ينظرون إلي بريبة وحذر، لكأنهم يريدون أن يقولوا لي بأنني لم أعد واحداً منهم، وأنا بالفعل لم أعد واحداً منهم بعد أن خرجت عن عاداتهم وتقاليدهم ومزقت الأوراق الصفراء أمام أعينهم. أعرف أنهم كانوا يأملون أن أكون موظفاً ينفعهم في شؤونهم الدنيوية، ويزورهم في الأعياد والمناسبات، ومعهم يشرب الشاي المر، ويتحدث إليهم في ما يعنيهم في حياتهم، غير أني ابتعدت عنهم، وما أظن أني سأعود...
البرد الديسمبري القارس في محطة "فكتوريا" يرمي بي بعيداً.. وها أنا أشاهد أمي واقفة في العراء حزينة تنتظر عودتي وفي عينيها الدموع..