رواية أمية الشفتين وقبلة العقرب

تأليف : نبيل حميدة

النوعية : روايات

رواية أمية الشفتين وقبلة العقرب بقلم نبيل حميدة .. تحميل كتاب أمية الشفتين وقبلة العقرب الكاتب د. نبيل حميدة كانت قاعة الحانة تبدو شاغرة لأن الوقت لا يزال باكرا .. فلم يبدأ المساء طفولته بعد .. يوما بائسا في حياتي .. عندما زجّت بي مشكلتي العاطفية البسيطة مع معشوقتي في غياهب الحانة .. مضت بي رجليّ إلى مكان عرض المشروبات ووقوف النادلة أو الكونتوار وهو إسمه بالفرنسية كما يحب الجزائريون هنا أن يسمونه .. كانت كراسيه الطويلة والجلسة بجوار النادلة الجميلة والإستمتاع الجيد بالأغاني أثناء الإنخراط في الشرب هو ما يستهويني في ذلك المكان مساءا .. إضافة إلى أن كل نادلات الحانة يكنّ في حالة شغور ذلك الحين .. بعيدا عن إنشغالات وصخب الليالي الذي يجعلهن كالعملة النادرة لا يفوز بمجالسة أجملهن إلا من يُرضي أطماع أصحاب الحانة .. ويسحب من محفظته المال دون هوادة .. وحتى لو فزت بمجالسة إحداهن فلن تستمتع معها بحديثٍ أبدا لفرط الصخب. لحسن حظي تلك العشية كانت فارسة الكونتوار فتاة شقراء فاتنة لم تُكمل التاسعة عشر بعد من عمرها .. عودها الفارع وقدها المياس أضافا على مكان النشوة كمالا .. إستغربت للحظة كيف يستقر جمال آري كهذا في هكذا قرار .. كيف يصير منزلها الحانة. سلبني جمالها وفتنة عينيها ورقة صوتها فأردت أن أستأثر بها لمجلسي .. فصارحتها إن كان من الممكن أن أطلب لها شرابا وتتفضل لتزين لحظتي وتشاركني مجلسي. أفرحتني عندما وافقت فنادت لرفيقة لها لتعوض مكانها .. وأخذتها في حضن يدي إلى طاولة مجلسنا .. كانت طاولتي قريبة من الكونتوار لنستمتع بالأغاني ونتحكم فيها ولتسهيل الأمر على فيفي لسقايتي .. فيفي وهو إسم نديمتي الشقراء .. لأني الزبون الوحيد غير إثنان آخران كانا منغمسان في جوف الصالة مع كؤوسهم بعيدا عن الإهتمام بمحيطهم. طلبت حين إعتدالي في نشوتي بعد كأسين ضخمين من البيرة أغنية للشاب حسني .. كان مطلعها طال غيابك يا غزالي. إبتسمت لي فيفي قائلة : يجب أن تكون عاشقا إذا. صارحتها بدون تردد : وهو الذي أتى بي هنا عندكم . إستفسرتني بلطافة : لماذا ؟ مالذي جرى؟ أفارقتك حبيبتك ؟ وإنغمست في ضحكة إستهزائية. قلت لها بلهجة فلسفية بعد أن لعبت النشوة لعبتها بي : أتعلمين أن ضحكك مقنع لأن الفراق بين الأحبة أصبح كالموضة أو الصرخة الجديدة في وقتنا .. لازما في معظم القصص .. حتى أنهم يتسابقون في إعلانه لبعضهم البعض .. معلنين فوزهم في العلاقة المسرحية .. فخرجت للعيان مسميات عديدة تنعت مثل هذه الأنواع من العلاقات الهزيلة .. كعشق طايوان .. أوعشق صنع في الصين .. أو عشق الخداع .. تنصهر كل هذه المسميات الرائجة في الشارع الجزائري و في أغانيه الرايوية في بوتقة الحب الكاذب الذي لا يدوم طويلا .. ويكون سبب وضع شهادة وفاته كل مرة توفر فرصة أفضل لأحد الحبيبين أو قل الإنتهازيين .. فترى فتاة تترك حبيبها جريا وراء ثراء آخر أو وراء سيرة مهنية أفضل لآخر .. أو ترى ذكرا يقطع وصال حبه من أجل جمال أفضل أو حتى جمال يصاحبه ثراء أو مركز إجتماعي مرموق .. لا يهم في هذا القطع دموع الطرف الآخر الذي يكون بريئا دائما .. أو حتى موته قهرا .. فلا تستمر برائته في النمو أبدا بعد ذلك .. بل تموت لحظة الدمع .. ويتم بذلك الفراق الجائر صنع مخادع آخر .. ربما يكون أشد قسوة من جلاده الأول .. والويل الويل لمن يقع في شباكه في المستقبل.

شارك الكتاب مع اصدقائك

2023-03-07