رواية الباش كاتب

رواية الباش كاتب

تأليف : أمين الزاوي

النوعية : روايات

حفظ تقييم
رواية الباش كاتب بقلم أمين الزاوي .. الرواية مبنية على ثلاث شخصيات رئيسية، كاتب الحاكم، بوب مارلي، و الدا المولود، الشخص الأولى هو من كان يكتب كل خطابات الحاكم في كل المناسبات، الحاكم الذي أطلق عليه الروائي اسم ( قزمان أبو نسوان ) ربما لأنه قصير القامة و مِن محبي النساء و كل ما تحمله هذه الكلمة من إيحاء، كما وصفه في جهة أخرى بصاحب السجار( الكوبي العريض ) و الويسكي الفرنسي الرفيع، الكاتب هو من كتب استقالة أو اقالة الحاكم تحت غليان الشارع كالبركان، و يمكن اعتبار شخصية الحاكم كشخصية رابعة لكنها ثانوية، سرد لنا الروائي على لسان ذلك الكاتب كيف كان يكتب و ينمق كل خطابات الحاكم، حيث عرض بعض ما كان يحدث في كواليس السلطة و قصر الحاكم، و يصف لنا هواجسه الصعبة بعد ذهاب الحاكم، و يُسقط حالته على كاتب معروف في التاريخ كيف تخلص منه الحاكم بعد انتهاء صلاحيته ربما خوفا من أن يبوح بالأسرار التي يحملها في جوفه. الشخصية الثانية ( بوب مارلي ) و هو ليس اسمه الحقيقي، لكنه اسم يحمل في طياته فكر ذلك الفنان المغني المشهور عالميا، أغانيه عن الحب و الحرية و التحرر من استبداد الحكام،أحداث القصة تُظهر لنا مدى تأثره بهذا الفنان إلى أن أصبح يردد بعض أغانيه بقيثارته و كيف كان يقول كلمات إلى أن صارت من الشعارات التي يرددها الكثير من الشباب في المسيرات، و تتطور الأحداث إلى أن يتم القبض على بوب مارلي في احدى المسيرات التي تندد بالطغيان و الاستبداد. الشخصية الثالثة و هي شخصية الدا المولود، و ما تحمله من إيحاء للثقافة الأمازيغية التي تعشق التحرر من الهيمنة و العبودية للسلطة الفاسدة، و فيه اشارة و تلميح لبعض أفكار الكاتب الجزائري الراحل ( مولود معمري ) صاحب الفكر التنويري . في الرواية الكاتب يحلل شخصية أبطاله بأسلوب التلميح و الاشارة و الإيحاء، مع سرد بعض أمورهم الشخصية التي تساهم في ادراك أبعاد الرواية،كذلك في مواقفهم و أفعالهم في السرد الروائي،استعمل هذه الطريقة لاجتناب الوقوع في تلك المباشرة المُمِلة التي تجعل النص الأدبي جافا من عنصر العاطفة الحية و الضروري لإثارة وجدان القارئ و جذب انتباهه و اشعال انفعاله مع أحداث الرواية. يرى بعض الكُتّاب أن الوقت لم يحن بعد لكتابة الروايات عن الحراك الجزائري الذي أنطلق منذ أشهر معدودة، و السبب في ذلك عدم نضوج الفكرة بما يكفي، بالتالي لم يحن بعد موسم قطفها، و يلزم بعض الوقت لينفعل أهل الإبداع بتلك القضية الحساسة جدا، ليبدعوا فيها و يكون الإبداع في قمته، لكن من خلال هذه الرواية، الروائي ( في رأيي ) أفلح لحد بعيد في الإلمام بقضايا الحراك الوطني و هو بدايته، نلمس ذلك جيدا من خلال السرد الروائي و ما فيه من اشارات قوية و تلميحات عديدة، يمكن اعتبارها كأنها تأريخ بطريقة أدبية غير مباشرة لتلك الأحداث، التي أراد الروائي تسجيلها في روايته بطريقة أدبية و بأسلوبه الخاص، ليجدها القارئ في المستقبل القريب أو البعيد عند قراءة هذه الرواية، الروائي أنفعل كثيرا بتلك الأحداث، لهذا نقلها لنا من خلال خياله الخصب و هو يحمل في أعماقه هاجس ضياعها في مهب النسيان، لهذا هو يرى وجوب تسجيلها، و فتح المجال لكُتاب الرواية للكتابة في موضوع الحراك الوطني في المستقبل القريب، و الرواية في بعض الأحيان تقول ما لا يقوله التاريخ في المستقبل. في نهاية الرواية سجل الروائي تاريخ نهاية كتابته للرواية ( 02 أفريل 2019 ) و عُمر الحراك حينها لم يصل بعد لمدة شهرين، في هذا دليل انفعال الروائي و تفاعله بأحداث الحراك و ما يحمله من هواجس الحرية و التحرر من الفساد الذي ينخر البلاد بطولها و عرضها، و لا أرى أنه تسرّع في سرد تلك الأحداث كما يعتقد البعض، و الدليل حيوية ذلك السرد الروائي القصصي وحنكة الكاتب السردية في الوصف و التحليل و سرعة تأثر القارئ بالأحداث و تجاوبه معها بسهولة و يسر و بعمق، بل أرى في رأيي المتواضع أن يتبع الروائي هذه الرواية بجزء ثاني أو ربما يجعلها ثلاثية كما بفعل بعض الروائيين، ذلك خاصة أن الحراك حيوي جدا و متواصل و حدث فيه الكثير من الأحداث و التغيرات التي يجب أن تسجّل في قالب أدبي روائي جذاب. و المتتبع للسرد الروائي يجد ذلك التعطش الكبير للحرية المغتصبة و التحرر المنشود، ذلك الحراك جعل الروائي يثور بقلمه و يفجّر ما في جوفه و أعماقه من ظمأ لكسر العبودية، كأنه كان على استعداد لذلك الموضوع و أتته اشارة الانطلاق من الواقع، فكانت تلك الأحداث الواقعية كالشرارة التي فجّرت ما في فكره من فكر حر، تدفق كالسيل الجارف و هو يجرف القديم الفاسد و يحاول تشييد الجديد النافع، و معروف عن هذا الروائي شدة نقده بلا هوادة للجمود الذي يكبل فكر الأمة، و عمله الدؤوب على كسر القيود و الدعوة للتنوير المفقود، لهذا اغتنم الروائي هذه الفرصة الذهبية التي يخشى أن لا تتكرر ليكتبها و يسجلها في قالب أدبي مميز فأنتج لنا تحفة ( البَاش كَاتِب ) كشهادة و تأريخ أدبي لفترة معينة من تاريخ الجزائر المعاصر، كما اشتمل السرد على معلومات كثيرة من التاريخ القديم و المعاصر، التي تدل على سعة اطلاع الكاتب وغزارة معلوماته، يذكرها في استطراد قصير ثم يعود لسرده الروائي دون الخروج عن صلب الموضوع و أدبيته، مستعملا في ذلك أسلوبه السردي المميز بالتحكم في انفعالاته الكثيرة ببعض العقلانية التي مكّنته و ساعدته في توجيه سرد الأحداث بما يخدم الأدبية في روايته و هذا رغم كتابته لروايته في فترة وجيزة ما بين 22 فيفري بداية الحراك و 02 أفريل. و لا نكاد نجد في الرواية صور بيانية تجمّل ظاهر السرد، ذلك لاهتمام الكاتب بالأفكار و عمقها و تفضيله للمعنى على المبنى، رغم ذلك لم بفقد نصه الأدبي كل الجمال. ---------- غريبي بوعلام / الجزائر.