رواية المليجي

تأليف : كمال رحيم

النوعية : روايات

رواية المليجي بقلم كمال رحيم  رواية المليجى عمل شديد الثراء تماهى فيه الواقع اليومى التعس مع الخيال فى بناء سردى مُحكم وظف فيه المؤلف الانتقال الذكى بين ضمائر الراوى وقناوى الموظف البسيط المحُال للمعاش المبكر قسرا وبين المليجى بطل سيناريو حارة مصنوعة( عندما قرر قناوى أو بمعنى أصح رُحيم أن يروى حكاياتها، درأ عن نفسه صراحة شبهة التطلع لعوالم حرافيش وفتوات وحارات محفوظ) إلا أننى وجدت نفسى فيما بين القفز بين تفاصيل حياة قناوى وحارته التى تجسد ملامح مصغرة مما يدور فى المجتمع المصرى الآن و بين سيناريو يكتبه قناوى فى عوالم تتقاطع

  أحيانا وتتوازى أو تختلف فى أحيان أخرى مع عوالم محفوظ، تحديدا فى الأعمال الثلاثة السابق ذكرها.. فانكسارات قناوى وواقعه المأزوم الذى قزم طموحه ليحصره فى الترقى لدرجة ونيل رضا الرؤساء وعزوبيته الأبدية ،تستدعى للذاكرة صورة الموظف الحكومى «عثمان بيومي» فى حضرة المحترم حيث تتشابه ظروف بيومى وقناوى وإن اختلف المصير...فرغم أن انكسارات الروح و الوهن النفسى دفعهما للتعايش مع ما كان لأى منهما بحكم ثقافته أن يقبله فى زمن الحلم ،إذ يستكين بيومى لحلم الوصول لكرسى لا يحصل عليه إلا فى مرض الموت فيما يستمرئ قناوى الاستمرار فى كتابات مسجوعة تجاوزها الزمن، ترفضها دور النشر فيصدع بها رأس زميلة فى الشركة عباس، إلا أن حضرة محترم 2014 يستفيق قبل فوات الأوان. فمع إحالته القسرية للمعاش يتحول استسلامه المهُين لواقع بائس فى عمله وسكنه لثورة على كل ما ومن سحق روحه ، بداية من زغلول البواب وصبى القهوة ورؤساء العمل الفاسدين وصولا للمليجى بطل السيناريو الذى قرر أن يكتبه بأمل أن يبدل مصيره «ويعدل المايل» فى حارتى الواقع والخيال .. فإذا انتقلنا للسيناريو الذى يكتبه قناوى سنجده بصورة لا واعية يتفاعل مع الرؤى المحفوظية وأن جاء فى تقاطعاته و متوازياته مع حارات محفوظ محملا بما استجد على الواقع المصرى من قَبيل طبيعة العلاقة مع أولاد هارون وظهور التيارات المتأسلمة والمرتزقة وسماسرة الأوطان..و المثير أن أبعاد شخصية الفتوة واختلافاتها طبقا للظروف أو لطبيعة الشخصية التى قدمها محفوظ فى أكثر من عمل- كان أهمها الحرافيش- تبدو و كأنها انصهرت فى بوتقة رُحيم لتكثفها شخصية المليجي. فعبر تحولات شخصيته تتجسد ملامح ضعف وقوة وشهامة ونذالة وفجور وتطهر فتوات حارة وحرافيش محفوظ. فالرؤى التى بلورتها حكايات أسرة عاشور الناجى العشرة أو أبناء الجبلاوى عن فلسفة الحكم والعدل والبحث عن المُخلص وإفساد الحكام وتحولات النفس البشرية وضعفها أمام المغريات المادية وضياع العدالة إما لافتقاد الفتوة لقيم الشهامة أو لضعفه وعجزه عن تحقيقها ، ثم ظهور الحفيد «عاشور» الذى يعيد زمن عاشور الناجى عندما يجتمع الحرافيش حوله،كلها تتجسد فى تماهى شخصيتى قناوى والمليجي، حيث يستعين الأول بقوة وبأس المليجى للتطهر من انكساره وضعفه، فيما تتسرب للفتوة عبر بصيرة وتبصر قناوى صيغة المشاركة الجمعية والإرادة الواعية والرؤية المتبصرة للتغيير وإصلاح أحوال الحارة واستعادة وعيها، لتكون أول الإرهاصات انقضاض آهل الحارة على النذل خميس فى سرادق عزاء المليجى بعد أن قتله غدرا قبل أن يحقق حلمه بفتح مسارات للحارة لتطل على الميدان أو على الدنيا بمعنى اصح.. وفى ظنى أننا أمام نص، وإن غازل عوالم نجيب محفوظ وتأثر بتجلياتها، ،سيظل نصا قائما بذاته تماما مثل النصوص المحفوظية . فرواية المليجى ببنائها السردى وسلاسة لغتها التى تبرز جمال اللغة العربية عندما يسطرها من يملك الحس ومفتاح فك شفراتها، وحالة المزج بين شخصية الراوى وشخصية قناوى المحورية فى الرواية وشخصية المليجى بطل السيناريو ،ثم حالة التماهى التدريجى بين الشخصيتين ليبدو وكأن قناوى فقد سيطرته على شخصية المليجى التى اصطنعها، أو أن كلا منهما تَلبس الآخر، فلا ندرى لمن فيهما اليد الأعلى وإذا ما كان قناوى يحًرك المليجى أم أن العكس صحيح ، وانتقال الصراع بين واقع يومى مَمرور وبين الحلم من الفضاء المادى ليصبح العقل و الروح هما الميدان، والنهايتان المفتوحتان للرواية و للسيناريو اللتان تركهما كمال رحيم أو قناوى ليتنبأ بهما القارئ أو ليخطها أهل حارتى الواقع والخيال أو ما قد يأتى به الغد، تضعنا أمام نص أدبى متميز سيطر الكاتب على حبكته ووظف أدواته السردية ليقدم رؤية معاصرة لفتوات وحرافيش الزمن الجديد  
 

شارك الكتاب مع اصدقائك