رواية طرق ومدن للمؤلف أحمد الحقيل أتذكر تلك اللحظة جيدًا، كنت أقف على حافة الشعيب، مشدود الجسد مفتول الذراعين والساقين، قويًا وفتيًا وفاحم الشعر، والماء يقطر من كل انحناءة في جسدي. تنحدر حبات كبيرة من شعري إلى جبيني ومن جبيني إلى فمي ومن فمي إلى إلى طرف لساني، أتذوقه، وأشمه، والهواء الذي يبرد مع الغروب يتقشر الى
جلدي طبقة جليدية. والصحراء أمامي امتداد من الرسومات التي تنتهي إلى غبش باهت مثل حواف الصور القديمة. مر راع بجانبي، ومن ورائه تقفز غنمه، مشى خطوات وهو يحدق في جهتي، دون أن يقول شيئًا، لم تكن ملامح وجهه واضحة، ولكنه رفع يده بهيئة فضول -وربما استغراب- كما بدا لي، فرددت التحية بيدي اليمنى، ثم تجاوزني، وتجاوزتني بعده الغنم التي لم تعرني بالًا. لا أتذكر فكرة واضحة. كل ما اتذكره هو الشعور الصافي الممتلئ، الذي يشبه الحزن واللذة والشغف والفتور في الوقت نفسه، والذي يكاد لامتلائه أن يخنقك ويدفعك للبكاء.