رواية عرس الدم في الجزائر للمؤلف عبد الإله بلقزيز تمثل الجزائر، اليوم، مجسماً تمثيلياً للبنية الاجتماعية الانفجارية في الوطن العربي: البنية التي تحبل بسائر أنواع التناقضات الحدية، وبسائر أسباب الاصطراع السياسي والأهلي. فمن رحم هذه البنية خرجت إلى الوجود حروب لا تضارعها سابقات في الضراوة والوحشية، وفي تفاصيل يومياتها نزفت
دماء غزيرة بغير وجه حق، معها وصل مشروع الوطن الواحد، والشعب الواحد، إلى عتبة الامتناع. تمثل الجزائر ثانياً - نموذجاً معبراً عن حالة الانسداد التي يشهدها النظام السياسي في البلاد العربية المعاصرة: الانسداد الذي يقفل على الوطن فرصة التطور الديمقراطي، ويرسي قواعد للسياسة تنهض عليها علاقات التسلط والعنف: تسلط الدولة وتغولها، وعنف جماعات المعارضة، على نحو يضمر معه نسيج الحقل السياسي، بل وتنهار معه أخلاقيات الصراع فيه، لتتهالك في امتداد ذلك حال الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتصبح الدولة وكيانها في كف عفريت. لا يملك كل حريص على استقرار الجزائر ووحدتها الوطنية إلا أن يستنكر أفعال العنف الأعمى التي فاضت عن حدود البشاعة والفظاعة والوحشية، أياً كان مصدرها، وأياً كانت مبرراتها أو ذرائعها، لأنها غير شرعية من أي وجه: لا الديمقراطية وحماية نظامها تجيزها ، ولا العقيدة وإنفاذ أحكامها تبيحها. وفوق هذا وذاك، هي أفعال لن تضمن استقرار نظام سياسي قائم أو توطد شرعيته ، مثلما لن تأتي بالسلطة يانعة لمن يطلبها بالسلاح. شعب الجزائر وحده يدفع ثمن هذه الكربلاء العبثية التي يصنعها القتلة من الجانبين: يدفعها من أمنه وكرامته ومن أقدس حق من حقوقه: الحق في الحياة. بل إن الجزائر نفسها تدفع ثمن ذلك: من صورتها ومن رصيدها الوطني والتحرري.