رواية كراكاتو بقلم مهرة بنت أحمد..وقف أمام المرآة، لم يتفاجأ من الأخاديد التي حفرت وجهه، ولا من المستنقعات الداكنة التي تُطوّق عينيه حتى توشكان أن تغرقا فيها، لم يتفاجأ إطلاقاً:" من يستطيع أن يُصدّق أنّي أبلغ التاسعة والثلاثين من عمري؟"، قالها في نفسه
ثم اقترب من المرآة وأطلق زفرة عميقة أثارت ضبابة موّهت الصورة على سطحه. نظر إلى لوكاس المموه:" يالله! ما أشبه هذه الصورة بي! أنا بهذا السراب، وهذه اللاملامح ذاتها بالضبط". ثم نفخ أخرى، يُريد لتلك الصورة التي بدأت تتضح تدريجيا أن تختفي ثانية، وربّما أراد لهذه الأسئلة التي تنخر في رأسه أن تتلاشى؛ تماما مثل هذه الغمامة.
طيلة حياته مع صوفيا لم يجرؤ لوكاس على البوح لها ولا حتى لمرة واحدة عن سبب الكابوس ونوبة الصرع التي تعتريه بعد كل كابوس، رغم أنّه قد مرّ على زواجهما ما يُقارب ثلاثا وعشرين سنة.
ها هي صوفيا تذوب كقطعة سكر في مياهه المالحة، تضيع شيئاً فشيئاً، بينما الفراغات بين أصابعه تجعل من انتشالها وإعادة بلورتها أمراً مستحيلاً. فكرة أن صوفيا قد ضاعت إلى الأبد لوحدها كانت بالنسبة له فكرة قاتلة.
ما كانت صوفيا تُدرك أن لوكاس ودَّ لو أنّه يستطيع البوح، ولكن فقط لو امتلك القدرة على ذلك! كان عاجزاً من أن يصف لها ماحدث، وعاجزاً من أن يستحضر ذلك الماضي برمته وبكل تفاصيله الساخنة والغضة والقاصمة !