رواية ملكوت هذه الأرض

رواية ملكوت هذه الأرض

تأليف : هدى بركات

النوعية : روايات

حفظ تقييم
تقرأ على الغلاف الأخير من رواية «ملكوت هذه الأرض» رواية هدى بركات في «ملكوت هذه الأرض» تقرأ عن أفراح هؤلاء الناس البسيطة، لا أدري ماذا يعني الناشر هنا بالبساطة، لكني لا أظن أن البساطة نعت يمكن أن يطلق على أي جانب من رواية هدى بركات. قد يجوز نعت حياة الفلاحين بالبساطة يمكن الأدب الذي يتناول هذه الحياة قد لا يكون بسيطاً على الإطلاق ومن الظلم له أن نعتبره كذلك. لربما نجد البساطة في أقاصيص مارون عبود

 وبدرجة أقل في روايات توفيق عواد، وربما نجدها مؤمثلة مجترحة في مغنيات الرحابنة، لكننا لن نجدها في «ملكوت هذه الأرض» فهذه الرواية تفتتح عهداً جديداً للرواية التي تتناول الريف وهي بذلك جديدة تماماً على الأدب اللبناني. في أدب عبود أو عواد أو الرحابنة. كان الريف ما يزال زمن البراءة المفقودة. كان مارون عبود يضحك من هذه البراءة لكنها تظل البراءة ويظل الضحك منها، حتى الضحك، نشداناً لها وفرحاً بها. رواية هدى بركات تبدأ بفصل تراجيدي ملحمي. لا ينجح المزوق في النجاة من العاصفة الثلجية فيموت دنقاً وتأكله الضباع. هذا الفصل الذي في قوة وامتلاء وشعرية الأناشيد الملحمية يبدأ كموسيقى هادرة رواية هدى بركات. هذه البداية الهائلة هي إلى حد ما أسطورية. ليست فقط مجرد حادثة. انها الأساس الذي تنهض عليه الرواية ولن ننساها في أي من مساراتها. هذا المصرع الفظيع يؤسس للرواية. ويمكننا انطلاقاً منه ان نتخيّل أن البلدة التي تروي الرواية تحولاتها تتأسس من جديد على هذا المصرع. يمكننا حينذاك ان نتذكر ان المدن في الأساطير انما تقوم على مصرع ما، على تضحية مماثلة. أكلت الضباع جسد المزوق بحيث وضعوا انجيلا في نعشه الفارغ. ستكون تحولات البلدة، من ترددات هذه التضحية الأولى ومن أصدائها. كانت الرواية الريفية اللبنانية أو القصة الريفية اللبنانية ثمرة بدايات تخلع للحياة الريفية وللريف. ثمرة بداية كسوف الريف واضطراب الحياة اللبنانية نتيجة لهذا الكسوف. كان القلق على مصير الريف يومذاك قلقاً على الحياة كلها. لذا انبجس هذا الأدب حنيناً وشوقاً دفاعاً عن المرأة المكسورة. أما في رواية هدى بركات فليس الأمر حنيناً أو قلقاً. تحول الريف وتحول أهله. في وسعنا القول إن ريف مارون عبود والرحابنة مات تماماً واستحق هذه المرثية الهادرة. رواية هدى بركات التي تتكلم عن بلدة مارونية لا تقف عند حدود هذه البلدة. في وسعنا ان نعثر فيها على إشارات لتأسيس لبنان الحديث فمع أول فندق في البلدة، ومع تفكك المجتمع الداخلي وتشتته في العاصمة وفي بلدان العالم، ومع الصراعات مع البلدة الأخرى «زغرتا» والمحيط الشيعي القريب في المقلب الآخر. نفهم ان ما تفرضه الأسطورة الأولى، أسطورة مصرع المزوق. ليس قوة ومنعة وتحصينا. فالأسطورة التي تروى في قالب شعري ستكون نتائجه نثراً خالصاً. انها التفكك والتشتت وسيادة المال وسيادة التزلم وسيادة التهريب. أي ان الفاتحة المأسوية. الزخم الشعري ظل يبرد مع الوقت ويتحول إلى ركاكة واقعية. تبدأ الرواية بدفق شعري وشخصيات «شعرية» جوزيت على شعريتها بالعقم الحقيقي فلم تتزوج ولم تنجب. بينما الواقع الذي ينجب ويتكاثر يتمدد حولها، ليست هذه في كل حال شخصيات موروثة من الماضي الريفي. انها شخصيات فاتها التحول وبقيت مغروسة في أرض أخرى. يبرد الأسلوب ايضا معها ليستعيد رثائيته وزخمه الشعري في الفصل الختامي، لم يعد الصوت «رقيقاً» لقد صار وحيداً وها هو في وحشته يكتفي بأن يكلم نفسه.