رواية يوم من الأيام.. بقلم أمل صديق عفيفي..رواية سلسة ومشّوقة في هذا الكتاب الذي هو أشبه بشريط سينمائي، يصنعه ويديره القارئ بنفسه من خلال الكلمة، وعبر تشغيل تصوّره لكل ما يجري داخل سيناريو متكامل، يتحرك ويصبح جاهزاً للعرض ما أن يبدأ بقراءته. كاميرا سريعة تدور لتسجّل لقطات ومشاهد حية من حياة مجموعة من الأشخاص، فتلاحق تحركاتهم، وتسجّل حواراتهم، وتصوّر تفاعلهم وتعاطيهم وانفعالاتهم، وتظهر سمات شخصياتهم المتنوعة، فتشبكهم وتتشابك معهم في علاقاتهم المتداخلة داخل إطار عملهم المشترك، كما ترصد لقاءآتهم في الخارج، ولا تتوانى عن الدخول إلى أماكنهم الخاصة في بيوتهم، لتكشف ما يدور في أذهانهم، ولمعرفة حقيقة رغباتهم في عزلتهم.
من خلال هذه المجموعة التي تشكّل طاقم العمل في أحد البنوك، يكتشف القارئ صفات كل النماذج البشرية الممكنة، من "ريهام" الموظفة التي تتوق إلى الحب والتي "لم تكن كسولة ولا مهملة ولا مقصرة، ولكنها كانت فقط فاقدة للحماس لكل شيء ولأي شيء.."، إلى "مشيرة" الموظفة التي ستعكس بصفتها امرأة متزوجة وأم، مشاكل صعوبة التوفيق بين العمل والبيت والزوج، إلى د.هاني الإنسان المستغل والوصولي والذي يعرف كيف يتعامل مع المرأة، إلى الأرملة أماني التي تعيش علاقة حب مع رجل متزوج، إلى "عبد الرحمن" الرجل الشريف، وغيرها الكثير من الشخصيات اللازمة لحبك شبكة من العلاقات الإنسانية المتنوعة، من الخيّر إلى المحتال، إلى الساذج والحالم والجدّي، ستجتمع جميعها في حدث يوم خاص، يكشف عن ما هو مستور في شخصياتهم، ويضعهم في مواجهة قاسية مع أنفسهم، "يوم واحد.. غيّر من حياتهم جميعاً.. إلا من لم يجد بداخله القدرة على التغيير".
من خلال هذه الحبكة الروائية التي تنحصر بعلاقات هذه الشخصيات فيما بينها، وبكشف حقائق كل منها في هذا اليوم الخاص، تطرح الكاتبة مواضيع متعددة: العلاقات بين الزوجين داخل مؤسسة الزواج، وعلاقة الأهل بالأولاد، وتضحية الأم، ثم العلاقات خارج الزواج، للعازبين والمطلقين والأرامل، كما تتطرق إلى موضوع الغربة وحياة الاغتراب، وإلى مظاهر مجتمع تتنازع فيه سيادة التقاليد، مع الحاجة إلى التطور والتحديث.
رواية يحبها القارئ لسلاستها ولسهولة التواصل مع شخصياتها ومع انفعالاتهم، ولحبكتها المشوقة دون إدعاء، ودون تعقيد، ولمضمونها الكاشف لحقائق مجتمعنا ولتركيبة الأشخاص فيه.