في قصيدة “أهدي قصايدي” -أول قصائد ديوان “أحرار وراء القضبان”- يصرخ حداد من السجن، ويحكي عن الوضع العام، وكأنها نبوءة لما حدث في ثورة 1952، أو لما حدث في ثورة 25 يناير، أو ما سيحدث في ما بعد. يهدي حداد القصيدة لكل المعتقلين بلا تهمة واضحة، لكل الأبرياء في السجون، غير المعروف منهم قبل المعروف.
وفي نهاية القصيدة يقول حداد جملته التي ربما تكون أكثر جملة ملخصة لحال الكثيرين في وقتنا الحالي: “اليأس موت بالأمل دايما أتممها”.
***
أهدي قصايدي
أهدي قصايدي جهاد وجهاد أقدمها
لكل مين عاش قصايدي قبل ما أنظمها
قصايدي فورة غضب ما قدرت أكتمها
غنّاها قلبي وجرح القلب قسّمها
في مصر سوق الذمم العمر موسمها
في مصر رب الشرف والنخوة مجرمها
أفواهنا لو نطقت بالحق كممها
أنوفنا ريحة النتن والكبت شممها
عيوننا سهد استلمها وجهد سلمها
رجلينا تحمل جسومنا والا توهمها
إيدينا لنتاج إيدينا، منع تقدمها
إن أوشكت بالكلبش الأعمى يصدمها
أرواحنا مالهاش تمن في الوحل يختمها
أجسامنا قربان لرب الحرب يولمها
شدت شعورها الصبايا البؤس يتمها
عرى حيطان السجون جبار وعتمها
بردت نجوم السما متلفّعه بغيمها
رأيت بلادي يصبوا الشر في جحيمها
حفرة مساخر جبال آسيا ما تردمها
نزعت من صدري ريشة ورحت أرسمها
قصايدي صرخة معذب طال عذابه ما طال
إلا شتات من نوازع قلبه ترجمها
يا معذب الجماهير يا ظالم اظلمها
ومن حياة الكفاف الضيقة احرمها
جموع تجدد شبابك وأنت تعدمها
يا معذب الجماهير يا باغي كوّمها
في السجن بالجملة عمال فلاحين طلبة
مجاهدين مجهدين على البُرش نيمها
وسطوتك شهوتك في الخلق حكمها
راكن على جيوش غريبة بكرة نهزمها
اللي ما حيلتوش مداس حيدوس على رقبتك
واللي بنى صروحك هو اللي يهدمها
قصايدي بنت الجهاد هتّافه هتّافه
اليأس موت بالأمل دايما أتممها
كتاب أحرار وراء القضبان - فؤاد حداد
كتاب أحرار وراء القضبان بقلم فؤاد حداد.. ديوانه الأول “افرجوا عن المسجونين السياسيين” 1952، الذي تم تغييره بناءً على طلب الرقابة إلى “أحرار وراء القضبان”، وهو الديوان الذي كتبه وهو في المعتقل في السجون الملكية ما قبل ثورة 52. وبرغم أن الديوان كُتب قبل أكثر من 60 عام، ألا إنه صالح للاستخدام حتى الآن. وبعيدًا عن تأويل القصائد بأكثر مما تحمل، يبقى أقوى ما فيها هو سخرية التاريخ من الحاضر بشكل عام، ومن حال هذا الوطن خاصة.