حيث يتناول الكتاب ثلاثين أغنية صوفية ألقى الحكيم الضوء عليها وعلى ظروف صناعة كل منها, كما حرص على أن يكون هناك تباين واضح فى تلك التجربة المتفردة فى الكتابة عن الأغنية الصوفية، فقد اختار الحكيم تجارب غنائية من أجيال مختلفة بداية من أم كلثوم وشادية وأسمهان الى أن وصل لتجارب على الحجار ومحمد منير, كذلك تعرض الحكيم إلى الأغانى التى قدمها مشايخ مثل الشيخ النقشبندى وكذلك الكحلاوى وغيرهم ليقدم للقراء وجبة دسمة ومختلفة من التفاصيل عن تاريخ الأغنية الصوفية مكتوبة بحب وشغف وحلاوة روح.
يستعرض الحكيم فى مقدمة كتابه بداية الأغنية الصوفية التى أرجعها إلى أيام الخديو إسماعيل، ويحكى عن المطرب الأشهر وقتها عبده الحامولى الذى بدأ الغناء الصوفى من خلال اعتلائه المئذنة الحسينية بعد صلاة العشاء ليظل ساعة كاملة ينشد فى حب رسول الله.
يقول الحكيم إنه قصد كتابة تلك الحكاية تحديدا ليؤكد على معنى واحد وهو أن الأغنية الصوفية ولدت من رحم المساجد والمعابد قبل وبعد زمن عبده الحامولى، فالموسيقى المصرية ولدت فى المعابد الفرعونية حيث عرف المصريون التراتيل الدينية فى المعابد، وبعدها انتقلت إلى الكنائس حيث كانت الأغنية الدينية جزءا أصيلا من تراث الكنيسة المصرية.
وأرجع الحكيم تاريخ الأغنية الصوفية فى مصر تحديدا إلى عصر الدولة الفاطمية، حيث كان هناك رغبة قوية آنذاك فى الاحتفاء ونشر التشيع لآل البيت بين المصريين، وكان لابد من ابتكار وسائل جديدة تساعدهم على ذلك، ومن هنا وجدث الأغنية الصوفية طريقها إلى المصريين, فرغم زوال دولة الفاطميين استمر المصريون فى الاحتفال بآل البيت وكبار المنتسبين إليهم.
يحدد الحكيم فى كتابه سبعة من صناع الأغنية الدينية، يصفهم بأعمدة الأغنية الدينية والصوفية، وهم أم كلثوم ومحمد الكحلاوى والشاعر عبد الفتاح مصطفى والمداح الأشهر ياسين التهامى وأمير الشعراء أحمد شوقى وسلطان العاشقين عمر بن الفارض. ويقول أيمن إن هناك تجارب كثيرة أثبتت وجودها منذ جيل عبد الحليم حافظ وشادية وليلى مراد إلى جيل عمرودياب، لكن السبعة الأوائل هم الأعمدة الرئيسية للأغنية الصوفية.
ويستعرض الكتاب حكاية كل أغنية من الثلاثين التى اختارها، فمثلا فى أغنية "لاجل النبى" لمداح الرسول محمد الكحلاوى، والتى حولها المصريون إلى نشيد مصرى فى عشق الرسول، يرصد التحول الذى طرأ على حياة الكحلاوى، فيقول حسب كلام أحد المؤرخين إن الكحلاوى ظهر ممثلا ومطربا فى ١٨ فيلما، واشترك بألحانه فى ٤٨ فيلما، ووصل أجره فى الأربعينيات إلى ٧ آلاف جنيه أو نسبة 50% من إيراد الفيلم.. واشتهر بأفلامه وأغانيه ذات الطابع البدوى.. وكان أبرع من يغنى الأغانى البدوية فى زمنه، غير أنه غير مسار حياته بعد أن رأى سيدنا محمد فى منامة وقرر أن يغنى له فقط.
وحينما تبارى نجوم الغناء ونجماته بعد ثورة يوليو ٥٢ وبزغ نجم زعيمها ناصر وتنافسوا فى تمجيده والتغنى له، وحده محمد الكحلاوى الذى لم يفعلها وأعلنها بشجاعة أنه لن يغنى لبشر بعد رسول الله، ويبدو أن عبدالناصر تفهم منطقه وتقبل مبرره فلم يمانع فى منحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام ١٩٦٧ وسلمه له بنفسه.
كذلك يعرض الحكيم من خلال أغنية "يا رايحين للنبى الغالى" التى قدمتها ليلى مراد حكاية دليل براءتها من تهمة انتمائها لليهودية بعد أن أعلنت إسلامها, ويقول الحكيم إن الحقيقة الوحيدة التى لا تقبل الجدل هى أن ليلى مراد غنت هذه الأغنية فى فيلمها "ليلى بنت الأكابر" الذى عُرض فى العام ١٩٥٣، والثابت كذلك أن تلك الأغنية جرت إضافتها لأحداث الفيلم ولم تكن فى السيناريو الأصلى الذى كتبه أبوالسعود الإبيارى، أما عن الأسباب التى دفعت ليلى مراد لطلب إضافة هذه الأغنية بالذات، فنجد أنفسنا أمام تفسيرات أقربها أن ليلى مراد عاشت أكبر محنة فى حياتها، حيث تعرضت لحملة تشكيك شرسة فى عروبتها وإسلامها، وخرجت الشائعات عن تبرعها بمبلغ ٥٠ ألف جنيه لإسرائيل، وزعمت أن ليلى ما زالت على يهوديتها، وأن إشهار إسلامها بالأزهر فى العام ١٩٤٦ لم يكن إلا تمثيلية، وأنها ما زالت على إخلاصها ليهوديتها، بل إنها سافرت سرا إلى إسرائيل لزيارة أسرتها التى هاجرت إلى الدولة العبرية وكلفها جهاز الموساد بالعمل لحسابه.. وراجت تلك الشائعات وذاعت، وصدقها الكثيرون فى وقت كانت ثورة يوليو بدأت ترفع شعارات العداء لإسرائيل، وأصدرت الحكومة السورية قرارا بمنع إذاعة أغانى ليلى مراد وأفلامها، ولقى القرار أصداء واسعة فى القاهرة، وباتت ليلى محاصرة بالشائعات والسهام المسمومة، وكان عليها أن تثبت للجميع أنها عربية.. ومسلمة.
ويذكر الحكيم أن ليلى ذهبت إلى مجلس قيادة الثورة والتقت اللواء محمد نجيب وسلمته شيكا بمبلغ ألف جنيه تبرعا منها للجيش المصرى، ودعما للثورة وتوجهاتها غنت أغنيتها «دور يا موتور» تدعو فيها الشعب إلى استخدام المنتجات المصرية الوطنية قائلة "مصر الحرة ولو تتعرى ما تلبس مرة نسيج من برة لا حرير بمبه ولا كستور" من كلمات بيرم التونسى وألحان حسين جنيد.
وكان عليها أيضا أن تثبت عمليا أن إسلامها لم يكن تمثيلية، وأنها قطعت علاقتها بعقيدتها اليهودية، فلما جاءها فيلم «ليلى بنت الأكابر» طلبت من مؤلفه أبوالسعود الإبيارى أن يضيف أغنية فى مديح نبى الإسلام وشوقها لزيارته، ولم يكن الطلب صعبا، ففى الفيلم هناك مشهد يسافر فيه جدها فى أحداثه، زكى رستم، لأداء فريضة الحج، فكتب أبوالسعود من وحى المشهد وتلبية لطلب ليلى مراد لتتخلص بذلك من تهمة ولائها لإسرائيل.
كذلك تعرض الحكيم للمطربة أسمهان صاحبة أغنية "ليالى الأنس فى فيينا" وإقدامها على الغناء فى مدح النبى، كما حكى كيف غنى النقشبندى بأمر الرئيس السادات من ألحان بليغ حمدى هذا اللقاء الذى أسفر عن 15 ابتهالا منها "مولاى" الذى يعتبره المصريون واحدا من أهم الأغانى الصوفية فى مصر.
كما تحدث الكتاب عن أغنية "حديث الروح" لأم كلثوم وكيف اعتبرها جناية فى حق شاعر الإسلام، وكذلك أجاب عن سؤال مهم وهو: هل غنى عبد الحليم حافظ أغنية "ع التوتة والساقية" خوفا من الشيخ كشك، وكيف دخلت فايزة أحمد مسجد الرفاعى لتصور أغنية "من نورك يا رب اهدينا".
حكايات الحكيم عن ملوك الأغنية الصوفية كثيرة، جاءت فى مائتى صفحة مغلفة ببورتريه من ريشة الفنان سامى أمين، ليكون أول كتاب فى المكتبة الموسيقية يؤرخ للأغنية الصوفية فى مصر.
هذ الكتاب غير متوفر حاليًا
حفاظًا على حقوق المؤلف ودار النشر، لا يمكننا توفير هذا الكتاب حاليًا. ولكن، لو تريد المساهمة معنا لتوفيره في المستقبل، نتمنى منك المشاركة برأيك في هذا الإستفتاء.
لن يستغرق الأمر منك سوى 5 دقائق ⏱️😊!
شكرًا لتفهمكم ودعمكم المستمر! 🙏💖