كتاب إدارة عموم الزير

تأليف : حسين مؤنس

النوعية : مجموعة قصص

كتاب إدارة عموم الزير بقلم حسين مؤنس..أحد الولاة كان يسير ومعه جوقة من المنافقين والمداحين في يوم قائظ، حين رأى ” الناس تنحدر في سيل إلى النهر فيشربون الماء، ولاحظ المشقة التي يعانونها من أجل أن يشربوا. فنظر إلى أحد وزرائه، وقال : أرى الناس يقاسون من العطش. ألم تفكر في شيء يخفف عنهم مشقة النزول إلى النهر من أجل شربة ماء؟ “. واقترح الوزير أن ينشؤوا صهريجا أو حوض ماء، فرأى الوالي بأن الناس ستموت عطشا قبل أن يتم البناء. طلب من صابر أحد حراسه أن يشتري زيرا، وأن يغسله ويعبئه بالماء النظيف باستمرار،

 وطلب من الوزير أن يشرف على شراء الزير ومستلزماته. وتمر الأيام ليسأل في يوم الوالي الوزير عن الزير، فأجاب الوزير : إنها فكرة عبقرية يا سيدنا، لقد طورناها وعدلناها، وحين سأل الوالي عن التطوير والفكرة هي فقط زير وغطاء وماء وكوز. أجاب الوزير : بعد مدة وجدنا الإقبال على الزير يزداد واستعذب الناس شرب الماء من الزير… فقررت تحويله إلى مرفق عام شعبي…

وهكذا، ومن أجل الزير، تم إنشاء إدارة، ” فالدولة لن تدع مالها وممتلكاتها سائبة، وما دام للدولة مبنى لا بد من موظفين وإدارة مالية “. وهكذا تم فتح اعتماد مالي لمأمورية الزير، ووضعت خزانة للنقود “أودعناها سلفة، لأن الزير قد ينكسر، والغطاء يتلف والكوز يضيع “.. ويكمل الوزير بأنهم أنشأوا أربع إدارات فرعية، إدارة للفخار، وإدارة للحديد، وإدارة للخشب وإدارة للصفيح.. وتساءل الوالي : والماء أليس له إدارة؟ ويستطرد الوزير بأنه أمر بإنشاء مبنى بكلفة مائة ألف دينار من أجل إدارة عموم الزير، لأن إدارة عموم الزير مرفق خدمات، الاعتبار الأول لما يؤديه للأمة من نفع. ويكمل بأن إدارة عموم الزير ” على اتصال مع مختلف دوائر الدولة، ومع وزارة الأشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية.. وكان الوالي يقاطعه بين الفينة والأخرى متسائلا عن الماء.. الماء. وحين استفسر عن دور وزارة الخارجية، أجاب الوزير : من أجل المشاركة في المؤتمرات، لأن إدارة عموم الزير أصبح لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات في باريس ولندن ونيويورك.. تساءل الوالي : وهل يوجد في الدول الأخرى إدارات لعموم الزير، أجاب الوزير : لا يا سيدنا، نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة، وراح يشرح كيف سنخرج من عنق الزجاجة وننتقل إلى طابور الأمم التي تم نموها.

وقام الوالي بزيارة إدارة عموم الزير. وكانت المفاجأة الصادمة حين شاهد المبنى الفخم الشاهق كتب على مدخله ” إدارة عموم الزير “، أناس يدخلون ويخرجون، خلية نحل من الموظفين والسكرتيرات والفراشين ومدراء الخشب والحديد والفخار، وملفات وأوراق وصواني شاي وقهوة، وموظفين يقرؤون الجرائد ومجلات ملونة للسكرتيرات و… و… والمدير العام في بودابست يحضر مؤتمرا، وهو ابن شقيقة الوزير، وتم تعيينه لأنه الوحيد المتخصص في هذا المجال. وانتقل الوالي في كل الأقسام وطلب في النهاية أن يرى الزير، نزل إلى الطابق الأرضي المغبر، قالوا إن الزير تم نقله إلى الورشة الأميرية لإصلاحه. ووجد صابرا، وقد أصبح رجلا هزيلا مسكينا، مركونا في إحدى الزوايا. وحين شاهد الوالي قال : لقد كذبوا عليك يا سيدنا، الزير ليس هنا منذ سنتين… إنني لا أتقاضى مرتبا منذ سنتين ونصف يا سيدنا إنني أموت جوعا، وحين سأل الوالي وكيل الإدارة العامة عن السبب، قال إن له إشكالا إداريا ماليا فليس معه مؤهل علمي لذلك لا نستطيع إعطاءه راتبا… صدم الوالي وطلب من صابر أن يعود إلى القصر كما كان ويشتري زيرا ويضعه تحت ظل شجرة ليشرب الناس ” ثم أصدر الوالي حكمه على الوزير بأن يدفع رواتب الموظفين الذين عينهم من ماله الخاص، وإذا نفذ ماله فمن مال زوجته وأولاده وأقاربه الذين أكلوا المال العام سحتا في بطونهم “. 

شارك الكتاب مع اصدقائك