طُرحت قبل علم النفس التحليلي وتُطرح معه بشكل أدق، مسألة علاقة العبقرية بالانحرافات العقلية التي تكاد تحاذي الجنون أحيانا. فجان جاك روسو لم يكن بدون شك متوازنا عقليا، أما موباسان فقد بدت عليه أعراض الخلل العقلي منذ شبابه وما زال يتفاقم حتى قثد الوعي تمامًا، فأدخل إلى مصحٍ
وتوفي فيه وقد تجاوز الأربعين بثلاث سنوات، والأمثلة من هذا النوع كثيرة جدا. مفارقة موباسان أنه يجمع في القصة الواحدة بين مستوى فني رفيع وبين شخوص تحركهم منعكسات مرضية ورؤى شاذة لايمكننا أن نتصورها قبل أن نقرأها. ومجموعتنا هذه مركزة حول- الخوف والموت- وما يبعثانه في النفس من مشاعر قاسية وإحباط وغثيان، فثمة الهرب من الواقع، والانتحار أحيانا. يجد القارئ في مقدمة الأستاذ صياح الجهيم للمجموعة تحليلا موجزا دقيقا لقصصها تدل كما جاء في المقدمة على أن موباسان يتميز بملاحظة مرهقة لتلونات الطبيعة وتبدلات المشاعر الإنسانية. ومما يسترعي الانتباه عنده، وبعد أن مضى على وفاته قرن كامل ونيف، ما تزال قصصه تستدعينا بأقوى مما كانت تستدعي معاصريه، فهو من بين القصاصين العالميين، من طليعتهم. وتلك هي رسالة الفنان : أن يجعل ذوقنا أكثر إرهافا، ونفسنا أدق تفاعلا كل منا مع عالمه.