كتاب احلامى لاتعرف حدودا بقلم مجموعة مؤلفين.. كانت صورة تشي تتغير بشكل غريب: كان يراه عقلانياً فوق العادة، فجأة، يراه متناقضاً، وأخرى، يبدو كل ما في ذاكرته عن تشي خالياً من أي إثبات ووضوح. لم يشعر أن كثرة الشواهد لا يمكنها أن تشكل بمجموعها العشوائي صورة لإنسان حي، بل يجب تتبع سيرة حياة هذا البطل بطريقة مشوقة! قرر أن يدرس طفولة تشي وشبابه بصورة أعمق، مدركاً أن فهم الإنسان لا يتم من دون دراسة طفولته.
توجد في تلك الكتب التي صاغت حياة تشي، وهو ابن الثامنة من عمره، مستقبلاً واضحاً، فهو ثوري أو رجل دولة متهور، بحسب الأرضية السياسية للمؤلف. لذلك، أخذ يجمع أحجار الفسيفساء كي يشكل صورة متكاملة، وليتمكن من تقديم فترة شبابه بشكل واضح ومحدّد.
ولكن، هل يمكن لهذه الصورة المتكاملة أن توجد، في الوقت الذي تتزاحم فيه الشهادات، والمذكرات، والأساطير، والأحداث الميدانية والتاريخية؟ كان ولا يزال يتساءل ويتساءل، حتى أخذ يختار كل مادة بتعمق وشك، ويحاول اختبار كل شهادة بمدى قدرتها على الإقناع. بعد ذلك، حان وقت تقديم الأسئلة، فأراد أن يستوضح سر اختيار إرنستو غيفارا لهذا الخط في الحياة، وسر اختياره لهذا المصير... وبعد... ورغم وصوله إلى آخر دقيقة من حياة هذا الإنسان، إلا أنه لم يتوقف عن دراسة حياته. فلا تزال أمامه جبال من الأوراق، وحتى هذه اللحظة لم يستطع الإجابة عن كثير من الأسئلة.
لكن صورة تشي التي رسمها في إطار سيرته في كتابه هذا كانت تكتمل أمامه شيئاً فشيئاً، وأصبح أقرب إليه. لقد فهم الكثير، وبقيت أشياء كثيرة غير مفهومة، كان عليه أن يستمر في البحث، لأنه يريد الإحاطة بتلك المسائل التي لم يقم أحد بدراستها حتى الآن. حتى بنقاط الضعف التي كان الآخرون يشيرون إليها، فقد اكتشف أنها لم تكن ذات أهمية، بل على العكس من ذلك، برزت من خلالها إلى السطح تلك الجوانب القوية بوضوح أكبر، مما جعله أقرب. لقد اتخذ تشي صفات إنسانية، ووعى أن قتل إنسان لا يعني قتل أفكاره وقناعاته. إن السلاح الذي سقط من يد تشي لم يبق في التراب. بل هناك الكثير الكثير من الناس ممن شعروا بالحاجة لالتقاطه. كانت الهزائم كثيرة، لكن الانتصارات أصبحت أكثر، ولم يعد بالإمكان قتل فكره. لقد خلق إنساناً جديداً. تبقى إشارة واضحة، وعميقة لا يمكن التغاضي عنها، وهي أن تشي خرج من المعركة منتصراً. وبقيت أحلامه نداء فخر يقذف به الأعداء.