كتاب الأدب المقارن: المنهج والتطبيق بقلم سامي يوسف أبو زيد..هذا الكتاب الموسوم بـِ "الأدب المقارن" (منهج وتطبيق) هو حصيلة محاضرات ألقيتها على طلبة قسم اللغة العربية وآدابها، في كلية الآداب بجامعة الإسراء الخاصة، يرصد منحىً جديداً من مناحي الدراسة الأدبية في العصر الحديث هو الأدب المقارن. ولعل هذا الكتاب الذي نضعه بين أيدي الطلبة، يحقق الأهداف التي وُضع من أجلها، وأهمها الانتقال من الفهم النظري إلى التطبيق النقدي، فهو يجمع بين النظرية والتطبيق ويُزاوج بين المفهوم والنموذج، تدور فصوله الأولى (1-4) حول قضايا الأدب المقارن (نشأته ومصطلحاته ومناهجه) في حين تدور الفصول الأخرى (5-10) حول تطبيقات نصيّة في إطار المؤثرات والتوازيات النقدية.
حين شرعت في تأليف هذا الكتاب، وتصنيف فصوله، أخذتُ في الحُسبان أن يتواءم مع الخطط الدراسية الجامعية المعتمدة، وأن يتضمَّن الحدَّ الأقصى من مساقاتها، وما تنطوي عليه من أهداف ومفردات. وراعيتُ في انتقاء مادته، التقيّد بما ارتضيته من خطة وأهداف ترصد تطور الدراسات المقارنة وتناميها معرفياً وتاريخياً، بمقارنات ضافية بين أعمال عربية إسلامية وأخرى أوربية، تُبرز خطوط التأثر والتأثير فيها. ولا تغفل عن خصوصيتها وأصالتها. وأنزلته في عشرة فصول؛ فالفصل الأول يرصد نشأة الأدب المقارن وتطوره التاريخي، فالأدب المقارن -على حد تعبير فان تيجم- "علم فرنسي في جُلّه، له ماضيه المشرف وله آماله العراض ازدهر في جامعة السوربون حيث ظهر كبار الأساتذة، ثم تحدّثت عن نشأته في الولايات المتحدة، فألمانيا، وروسيا وأوربا الشرقية، ووضعه في الوطن العربي (خصوصاً: مصر وبلاد الشام). وفي الجامعات العربية.
وأما الفصل الثاني فقد أفردته لمفاهيم تاريخية في الأدب المقارن، مع الإشارة إلى ما تتضمنه من مصطلحات انبثقت عنها، هي: عالمية الأدب، والأدب العالمي عند غوته، والانفتاح، والانغلاق، والتبعية، والتعددية، والكوزوموبولتية، والآخر، والمثاقفة.
وخصصت الفصل الثالث لمصطلحات أساسية في الأدب المقارن مثل: الأدب المقارن، والأدب العام، والتأثر والتأثير والمواقف الأدبية، والنماذج البشرية، ودراسة المصادر، ومصطلحات أُخرى.
وجعلت الفصل الرابع في "مناهج الأدب المقارن" الرئيسة: المنهج الفرنسي، والمنهج الأمريكي، والمنهج السلافي. وتحدثت عن أدوات الباحث في الأدب المقارن؛ حتى يكون جهده أجدى وأنفع.
والفصل الخامس يتناول عَلاقات الأدب العربي القديم بالآداب الأخرى، وخصوصاً الأدب الفارسيّ والأدب اليوناني، والموشحات والأزجال الأندلسية وتأثيرها في الشعر البروفنسالي (التروبادور)، وعلاقة الأدب العربي بالأدب الروسي، وتأثر "بوشكين" في مجموعته الشعرية "قبسات من القرآن" بالقرآن الكريم، وتحدّثت عن تأثير "ألف ليلة وليلة" في الآداب الأوربية.
أما الفصل السادس فتوقفت فيه عند عَلاقات الشعر العربي الحديث بالآداب الأخرى، وبدأته بمدخل إلى الرومانسية من حيث نشأتها وتأثيراتها في الأدب العربي الحديث، ثم تناولت أدب المهجر فجماعة الديوان، فجماعة أبولو؛ وهي اتجاهات أدبية عربية تأثرت بالرومانسية إلى حد بعيد.
وأما الفصل السابع فيدور حول الأجناس الأدبية، من ملحمة، ومسرحية، وحكاية على لسان الحيوان أو الطير (خرافة)، وقصة قصيرة، وقصة ورواية. وتوقفت في نهاية المطاف عند قصة الطوفان في المصادر القديمة وفي الكتب السماوية.
وأما الفصل الثامن: "وسائط الاتصال في الدراسات المقارنة". فتوقفت فيه عند موضوعات مهمة، هي: الترجمة والرحلات والاستشراق، ووسائط أخرى، وبيَّنت دورها في الدراسات الأدبية المقارنة.
ويدور الفصل التاسع حول المذاهب الأدبية الغربية: الواقعية، والرمزية، والوجودية، والبنيوية، وقدّمت فيه مقاربة تطبيقية حول تأثير بودلير الشاعر الفرنسي في شعر عمر أبو ريشة.
ويضم الفصل العاشر تطبيقات نصية في الأدب المقارن، تخيّرت منها:
· مقاربة بين "حكايات لافونتين" و"كليلة ودمنة.
· مقاربة بين "الكوميديا الإلهية" و"رسالة الغفران".
· مقارنة بين "روبنسون كروزو" و"حيّ بن يقظان".
· قصة الإطار في "كليلة ودمنة" وتأثيرها في كتاب "الكونت لوكانور"".
· قصة الإطار في "ألف ليلة وليلة" وتأثيرها في الآداب الأوربية.
وإذا كان لابد من استيفاء هذا التقديم حقه فإني أودّ أن أشير إلى ملاحق الكتاب الثلاثة، فقد خصصت الملحق الأول لمصطلحات أساسية في الأدب المقارن، وحَرَصْتُ على أن أثبت المقابل اللاتيني لكل مصطلح، وأما الملحق الثاني فقد خصصته لبيبليوغرافيا (bibliography) عربية للأدب المقارن، تُشكِّل أهم مصادره ومراجعه. وأما الملحق الثالث فيتضمن فهرساً لأعلام الأدب المقارن الغربيين، بقصد مُضاهاة الرسم العربي بالرسم الأجنبي، فهي ما تزال عُرضة للاختلاف في نسخها ونطقها.
يُتوخَّى من الطالب الذي أنهى مقرر الأدب المقارن، ونفّذ التطبيقات الواردة فيه أن يحقق الأهداف التالية:
1.أن يتتبَّع نشأة الأدب المقارن وتطوره، في فرنسا على وجه الخصوص، وفي الولايات المتحدة، وألمانيا، وروسيا وأوربا الشرقية، وفي الوطن العربي.
2.أن يقف على المفاهيم والمصطلحات الشائعة في الدراسات المقارنة بين النصوص والأعمال الأدبية.
3.أن يتبيَّن مناهج الأدب المقارن، ومعرفة أوجه الاختلاف والتشابه بينها، خصوصاً: المنهج الفرنسي والمنهج الأمريكي.
4.أن يتعرف إلى الأجناس الأدبية، من حيث تطورها التاريخي، وتأثرها وتأثيرها.
5.أن يتعرّف إلى المذاهب الأدبية الحديثة، كالواقعية، والرمزية، والوجودية، والبنيوية، ومدى تأثر الأدب العربي الحديث بها.
6.أن يتبيّن المؤثرات العربية والإسلامية في الآداب الأخرى.
7.أن يدرك العلاقات بين الأدب العربي القديم والحديث بالآداب الأخرى.
8.أن يُجري المقارنات الأدبية بين مختلف الأعمال والنصوص الأدبية شريطة الالتزام بمنهجية المقارنة.
هذا الكتاب المتواضع الذي بذلت فيه جهداً، ولقيت عناءً في جمع مادته وترتيبه وتبويبه انطلق من مبادئ واضحة، فهو يقتصر على مسائل الأدب المقارن ومناهجه ومصطلحاته، ويستشرف التطبيق نفسه، مقارناً بين مجموعة من الأعمال والنصوص الأدبية. وهو لا يدَّعي الكمال، فإن حظي برضا القُراء فهذا ما يسرُّ الخاطر، وإن لم يُلبِّ ما يطمح إليه، تذكرت كلمة العماد الأصفهاني في الاعتراف بالتقصير، وما أجمل ما يقول: "إني رأيت أنه لا يكتب أحدٌ كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُيّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيْدَ هذا لكان يُستَحْسَن، ولو قُدِّمَ هذا لكانَ أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".