كتاب الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بقلم مصطفى الشكعة ...هذه الدراسة هي الأولى في سلسلة "الأئمة الأربعة" وهي مخصصة للحديث عن الإمام "أبي حنيفة النعمان بن ثابت" الذي إليه ينسب تدوين علم الشريعة الإسلامية، وكان يقال إن حلقته تضم ثلاثة أرباع العلم، والربع الباقي ينازعهم فيه، وهو أيضاً الذي وضع آداب الحوار، وطبقه على تلاميذه
أولاً، كما أنه أول من ابتكر المنح المالية الدراسية، وطبق هذا المبدأ على أكثر تلامذته بادئاً بأبي يوسف.وحتى لا يدفع بنا الإعجاب بالإمام الأعظم إلى الاسترسال بالحديث، فإننا نسارع إلى عرض المنهج الذي ارتضي لهذا الكتاب، فنقول أن مؤلفه قد جعله في عشرة فصول، خصص أولها للحديث عن نشأة الإمام أبي حنيفة العلمية، وافرد الثاني للتعريف بشيوخه كعطاء بن أبي رباح، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام، والإمام محمد الباقر، وغيرهم.أما الفصل الثالث من هذا الكتاب فخصصه المؤلف للحديث عن حلقة أبي حنيفة، هي حلقة فريدة بين ما عرف من حلقات العلم في مختلف ديار الإسلام وأمصاره، ولعلها الحلقة الوحيدة التي قيل عنها إنها كانت تضم ثلاثة أرباع العلم. كما أن تقاليد رفيعة في الحوار والمناقشة قد أرسيت قواعدها بفضل هذه الحلقة العلمية، إذ كانت القضية تطرح على التلاميذ فيناقشونها مع بعضهم البعض، والإمام يوجه الحوار في براعة يقظة وعمق راشد، حتى إذا انتهى الجمع إلى رأى بعينه، طلب الإمام من أبي يوسف-كبير تلاميذ الحلقة أن يدون المسألة، فكانت الحلقة أشبه ما تكون بأكاديمية علمية.وفي الفصل الرابع تحدث المؤلف عن صفات الإمام ومناقبه، إذ أنه كما قيل أمتك ناصية الخلق السمح الرفيق الرفيع، كما وقيل أنه كانت شديد الورع والتقوى، هذا ولم يكن الإمام أبو حنيفة بمعزل عن الأحداث السياسية في عصره، وإنما كان يتابعها ويسهم في صنعها بالرأي والفتيا والمال، وقد كان متعاطفاً مع آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فانتصر للإمام زيد إبان ثورته على بني أمية، ولما قالت دولة العباسيين رحب بقيامها أول الأمر، فلما تنكبت الطريق السوي ناهضها، ووقف في صف محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم حين قاما بثورتهما على العباسيين.ولما فشلت الثورة لم يبد الإمام ندماً على مشاركته فيها وإسهامه في تمويلها، وليس من شك أن ذلك كان من أسباب الجفوة التي قامت بينه وبين الخليفة المنصور، وتبعاً لذلك فقد ذهب قوم من كتاب التاريخ إلى أن أبا حنيفة مات مسموماً في بغداد بإيعاز من الخليفة العباسي، إن هذا الموضوع الدقيق كان صلب الدراسة التي ضمها الفصل الخامس من الكتاب.أما الفصل السادس فافرده لموضوع على جانب من الطرافة، ألا وهو موقف أبي حنيفة من هدايا الخلفاء، كما وأفرد جانب من هذا الفصل لموقف الإمامين مالك والشافعي في هذا الموضوع، وتتحدث المؤلف في الفصل السابع عن المؤهلات الخلقية والسلوكية والثقافية والعلمية، التي جعلت أبا حنيفة أهلاً لإمامة المسلمين.أما في الفصل الثامن فتحدث فيه عن مصادر الفقه الحنفي والتي هي الكتاب والسنة وقول الصحابة والإجماع والقياس والاستحسان والعرب. ولما كان مبدأ القياس قد أثار بعض الفقهاء على أبي حنيفة، وحمل عليه بشدة بعض الأئمة المعاصرين له مثل مالك ومحمد الباقر والأوزاعي، فقد أورد المؤلف دفاع الإمام عن القياس، وسجل الحوار الممتع المقنع الذي جرى بينه وبين الإمام محمد الباقر في هذا السبيل.وأفرد الفصل التاسع لمؤلفات أبي حنيفة، وهي الفقه الأكبر، ورسالة العالم والمتعلم ورسالته إلى عثمان البتي، والرد على القدرية، والعلم شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً، ومسند أبي حنيفة، كما عرض لمبدأ الحرية الشخصية عند الإمام وحرية الملكية وتأكيده على قياسها. أما الفصل العاشر والأخير في هذا الكتاب، فقد خصصه للحديث عن تلاميذ أبي حنيفة وفكرهم، ومؤلفاتهم ومواقفهم، فتحدث بشيء في الإيجاز غير المخل عن أبي يوسف كبير تلاميذ الإمام الذي صار قاضي القضاة لهارون الرشيد.