لهذا الكتاب غايةٌ تبدو من ظاهرها بسيطة ، هى التعريف بالتصوف والصوفية .. غير أنها فى حقيقة الأمر غايةٌ صعبة المنال، وكيف يمكن نوال منال بعيد فى جوهره عن مقدرة اللغة على الإحاطة بهذا الطريق الروحى المتفرد ، المتجاوز ، المحلِّق بالتجربة الدينية فى سماوات الحضرة الإلهية المفارقة لأحكام الحس والمنطق . وللناس فى فهم التصوف مسالكٌ ودروبٌ تصل بتنوعها إلى درجة التناقض . فمن الناس من يرى فى التصوف منتهى التدين وغاية الطريق العارج من الإنسان إلى الله ، وفى المقابل يراه آخرون باباً من أبواب الهرطقة والإلحاد وهتك أستار الشريعة ..
وبين أولئك وهؤلاء مواقف عديدة من هذا الاتجاه الروحى الذى اصطلح على تسميته بالتصوف .
وللطريق الصوفى ذاته مسالكٌ ودروبٌ ، هى من الكثرة والتنوع بحيث تصدق عليها العبارة القائلة : الطرائق إلى الله على عدد أنفاس الخلائق .. فلكل صوفىٍّ ، شيخٍ أو مريد ، علاقةٌ خاصة بالله وسبيلٌ شديدُ الخصوصية . وأهل الطريق الصوفى يبررون هذا الأمر، بأن القلوب كالمرايا التى تنعكس عليها التجليات الإلهية فى الكون .. والله ، الذى هو كل يوم فى شان ، لايتجلى على عبدين بصفة واحدة، ولا يتجلى بصفة واحدة على عبدٍ مرتين .. فانظره إلى هذا البث الإلهى الذى يغمر الكون ، لتعرف كيف تتنوَّع السبل إلى ربِّ الأكوان .
وللصوفية تراثٌ هائل ، منه ماهو مطبوعٌ متداول - وهو الأقل- وأكثره لايزال مخطوطاً يصعب الوصول إليه خلف خزانات الكتب العتيقة. وهو فى مجمله تراثٌ متنوِّعٌ بين النثر والشعر والعبارات الرمزية ذات الطابع الشعرى .. منه ما كُتب للمريدين والمبتدئين فى سلوك الطريق .. ومنه ما كتبه كبار الصوفية لكبار الصوفية رمزاً .. ومنه ما كتب بغَير قصد الكتابة مثل ما دوَّنه الأتباع من كلام شيوخهم .. ومنه مافيه شرحُ الشرَّاح لدقائق المسائل الصوفية .. ومنه ما فيه ما فيه !
وفى هذا الكتاب فصلان ، الأول محاولةٌ لتعريف كلمة التصوف بكل ما تحتوى عليه من دلالات ثرية و رؤى متنوعة .. والفصل الآخر استعراضٌ لبعض ملامح الطريق الصوفى وتبيانٌ موجز لأشهر الطرق الصوفية وأوسعها انتشاراً.