لم تفت كثيرًا في عضدي الحكاياتُ الأكثر ضبابيةً عن أصوات الأنين والعويل التي سمعها البعض في الوادي الأجدب الذي تذروه الرياح أسفل الجرف الجيري، وعن ساحة المدافن التي كانت تفوح بالنَّتَن كلما هطلت أمطار الربيع، وعن ذلك الشيء الأبيض الشاحب الذي صرخ منتفضًا حين
وطأَتهُ سنابك فرس السير "جون كليف" ذات ليلة في حقل موحش، وعن الخادم الذي طاش صوابه من هولِ ما رآه في الدار ذات يومٍ في وضح النهار. فكلها حكايات تشبه قصص الأشباح المبتذلة، وقد كنتُ رجلًا لا يصدِّق أيَّ شيء بسهولة، على الأقل في ذلك الحين. مع ذلك فقد كانت حكايات اختفاء المُزارعين أكثر صعوبة في دحضها، رغم أن هذه الأشياء كانت تحدث في القرون الوسطى. فالفضول المتطفِّل حينها كان عاقبته الموت، وقد شوهدت عدة رؤوس مقطوعة مُعلَّقة فوق الأبراج التي كانت تحيط يومًا بإكسام برايوري. لكن بعض الحكايات كان نابضًا بالتفاصيل إلى الحد الذي جعلني أتمنى لو كنتُ قد درستُ في شبابي المزيد عن علم الأساطير المُقارَن. هناك مثلًا تلك الحكايات عن جَمْع من المخلوقات الشيطانية - بأجنحة تشبه أجنحة الوطاويط - داومَت على حضور اجتماع للسَّحَرة أقيم كل ليلة في القصر. الجمع الذي كانت استضافته تفسِّر الوفرة غير المنطقية من الخُضَر المزروعة في البساتين الشاسعة بالخارج. وهناك بالطبع الحكاية الأشهر والأغنى بالتفاصيل: حكاية جيش الجُرذان البشع الذي شوهد ينسلُّ من القصر - بعد ثلاثة أشهُر من الفاجعة التي أدت إلى هجره - في سُعار هادر، ليُفني في اكتساحه كل ما مر في طريقه من طير وقطط وكلاب وخنازير وغنم - وحتى اثنين من البشر التعساء - قبل أن تهدأ سَوْرته أخيرًا. حول جيش القوارض ذاك دارت مجموعة كاملة منفصلة من الأساطير، فلعنة الجرذان قد طالت بيوت أهل القرية، وجاست بالرعب والهول خلال الديار.