كتاب الحداثة والسياسة : مأزق النظرية وأسئلة المستقبل بقلم هبة رءوف عزت..يبدو أننا صرنا فى حاجة إلى بناء فقه للحداثة يتجاوز النقد العارم والعام أو الانشغال ببناء بدائل أيديولوجية، دون فهم دقيق لموقعنا على خرائط التاريخ والجغرافيا فى هذه اللحظة التاريخية، والموضع الذى نحن عالقون فيه كأنه منزلة بين منزلتين. فتقديم تصور واضح عن منطلقات الحداثة وتجليات منظومتها، فى الواقع الذى نعيشه، ينجح فى التحرر من نزاعات الأيديولوجيا وصراعات السياسة هو السبيل للإفلات من الدخول فى مساحات جديدة من التيه لم يزل العقل العربى-إذا استخدمنا هذا التوصيف بحرص-يدور فيها
. ومن الأهمية بمكان أن يتم ذلك برؤية نقدية متوازنة وعميقة، يوظف فيها الباحث فهمه لمجريات عصره ويفك شفرته وغموضه، ويشحذ لذلك أدوات معرفية ومنهاجية من حقول شتى، ويتجرد لتلك المهمة، ويستشرف مآلات العالم المحتملة كى يمكن تفعيل الإرادة، وتحديد وجهة الفعل والعزيمة، وأدواتهما لصالح الإنسان.
لا نسعى هنا لإعادة اختراع العجلة، فقد سبقت جهود نقض الاستشراق وتقديم رؤية بالمقابل للاستغراب، وسعى البعض فى الغرب لتقديم الرؤى النقدية من منظور ينتسب للماركسية تارة، واختار البعض للعودة للدين كإطار معرفى أحياناً وكموضوع للبحث تارة أخرى، وذلك من خلفيات مسيحية حيناً، ويهودية حيناً آخر1، كما أننا سنتجنب الجدل بشأن التمييز بين الحداثة وما بعد الحداثة، حيث نرى الحداثة على مستمر تقلبت عليه فى أطوار مختلفة.
ولا يخفى على من يبحث فى مجال النظرية السياسية أنها مرت بأزمات فى المنهج والأدوات تزامنت فى الوقت ذاته مع تحولات فى الظواهر وما طرأ عليها من مستجدات، وبالتالى فإن التخصص فى موقف لا يحسد عليه2،ولديه مشكلة حقيقية فى فهم جذور الأزمة وكُنه التحول فى إطار مسيرة التنوير، ثم تجليات الحداثة والتحديث.