كتاب الخليج يتحدث شعرا ونثرا للمؤلف غازي عبد الرحمن القصيبي..... انتزع القصيبي الديوان من الرف، بدأ بقراءته مجاملة لصديقه الشيخ. إلا أن الديوان أخذ القصيبي وبعنف وبعد صفحات إلى أعماقه، ليجد هناك سندباد الشاعر صاحب الديوان، في انتظاره وطار به، بلا استئذان، إلى رحلة
غريبة مثيرة. بدأ السندباد بجزيرة العرب ليقف بين أشجار الشيخ فيقصّ عليه أيام كان راكان يزور المنطقة: ".. رضياً شهيّاً أنيقاً.. كإيماءة البرق في شرفات المساء، ينساب كالحلم على صهوة الشفق المتأنق، يفترع الأفق المتدفق، يرتشف الأعين الظامئات.. وينقش في الماء أرجوزة.. أو يضالا!". ثم يوغل سندباد الشاعر في الأرض العربية.. مستوقفاً القصيبي في فلسطين ليتأمل الصراع غير المتكافئ بين طفل الحجارة والغيلان: "حيث القصائد نافرةٌ في العراء، وحيث العصافير تنقش من زرد الليل ترنيمة للطلول وتنهيدة لارتحال المساء". وفي ركن آخر من الأرض العربية يرى القصيبي "الجنوبي" أمل دنقل يمتطي سريره إلى تراب الوطن. ويهتف أيضاً سندباد الشاعر: "تصرخ" واذل تغلب!" حين ارتضى الآخرون التآكل وهل تستباح المداخل؟ وتذبح كل الرؤى والمشاعل؟ وكل الذي اختزنته السنون الأبية؟ وتفتقد الخيل رغبتها في الصهيل؟" ثم يأخذ السندباد القصيبي القارئ ثانية إلى مشهد جهنمي رهيب: "بصوت بهم يحملون العروبة بئراً، يلقونها في الجحيم ويستوثقون الرتاج ثم يهيلون من دمها الطهر فوق الدماء. ثم عاد السندباد:.. بالشوق القديم بكل ما تهوى الصبايا والحكايا المترفات، بكل ما أبقى له القلق المثير وعلى ملامح وجهه المخضر وشم من أماسي البحر شيء من بخور". وبعد عودته من هذه الرحلة يشير القصيبي على القارئ بهذا الديوان "أشياء من ذات الليل" للشاعر الخليجي عبد العزيز العجلان. حيث يجد فيه: ثرثرة الصخب، إطلالة الليل، بوح الصباح، حفيف الزوايا، رفيف العصافير تستبق السدر، تبتدر الصخب الفوضوي الجميل. "الصخب الفوضوي الجميل"، هذه عبارة استوقفت القصيبي، لأنه ومنذ فترة طويلة لم يقرأ تعريفاً لشعر كهذا التعريب الفوضوي الجميل! تلك كانت محطة من محطات هذا الكتاب التي توقف عندها القصيبي في رحلته في عالم أدباء الخليج، شعراءً وناثرين. تستهويك هذه الوقفة. وبقدر ما يسترعي انتباهك ذلك الصوت الشعري النثري الخليجي المتدفق المتجدد، بقدر ما يسترعيك القصيبي بأسلوبه الرائع المولد لنمطية تعبيرية، تجرك ذهنية القارئ باتجاه المهم في أعمال هؤلاء الأدباء إن من حيث المبنى أو المعنى، إلا أنه يتخذ من عمل الأديب ناثراً أو شاعراً مطية إلى هدف، إلى معنى، أحب القصيبي الحديث عنه، أو الإشارة إليه من قريب أو من بعيد. ليكون بذلك قد ابتعد عن أسلوب الببليوغرافيا المملة عند تعريفه عن شعراء وناثري الخليج، ليأتي ذلك في إطار دراسة أدبية لطيفة، توصلك إلى حالة ذهنية تواصلية، فبقدر ما يسمعك القصيبي صوت الخليج، شعره ونثره، بقدر ما يمتعك بإبداعاته شعراً ونثراً ونقداً. بحيث يمضي بالتهام معاني وعبارات وإشارات الكاتب، بانتظار المزيد والمزيد. وتجدر الإشارة إلى أن القصيبي يواصل في كتابه هذا ما بدأه في كتاب "صوت من الخليج" والذي استهدف إيصال الصوت الأدبي الخليجي، وخاصة الصوت الشاب إلى القراء في مختلف أنحاء الأمة العربية.