كتاب الرجل والفسيل بقلم محمد خضير ضم في بدايته (ص5) مقتطفات من بعض حوارات وملاحظات ويوميات الراحل منها (ثراء السرد) الذي يذكر فيه :"أنْ تكتبَ يعني أن تقولَ لمن يُصغي إليك قولاً يجهل حقيقتَه أو شيئاً من حقيقته ، وإلا فلماذا تكتب أو تقول. أن تكتب يعني أن تملك ما يُقال، وما يقال ينبغي أن يكون نافعاً.." و( مخاض الكتابة) ويرد
فيها "الكتابة مخاضٌ حقيقي، ومن دون هذا المخاض تُولد النصوص خُدّجاً"، و(اللحظة) تلك التي :" أتلمسها بين أصابعي، ناعمةً وشفافةً وقصيرةَ العمر، ما أن تلمسها حتى تذوب بين أصبعيك. الزمن لا مكوث له . ينساب بين أصابعك كأنه سائل لا كثافة له. سائل ليس كالسائل أيضاً. انه يمتلك سيولته الخاصة..". و(مرثية العمر الجميل) فـ" غالباً - إن لم تكن دائماً - تأتي الكتابة عن الذات في نهاية العمر لا في بدايته ، والكتابة عن الذات هو ما يُصطلَح عليه في الأجناس الأدبية بالسيرة الذاتية التي يُكرّس فيها الكاتب جهده في سرد حياته وتجربته ومواقفه من الحياة والفكر والإبداع . أهي القبض على ما فات من سنوات العمر الجميل والإمساك ؟ أهو رثاء العمر أم زهوه؟..". في التقديم (ص7 ) يذكر القاص محمد خضير انه يجمع مقالاته عن القاص الراحل محمود عبد الوهاب، ليثبّت بنشرها في كتاب قولاً سدّده نحوه على سبيل المداعبة والمماحكة وعمق العلاقة وثرائها بينهما ، في احتفال أقيم له على قاعة عتبة بن غزوان بالبصرة و في أيامه الأخيرة ، احتفاءً بفنه وتجربته الإنسانية النقية الناصعة. يذكر القاص محمد خضير، (ص8 ) ، من المنصة، في ذلك اليوم، ألقيتُ بقولي هذا:" إن مقالة واحدة منكَ مقابل خمس مقالات أكتبُها عنكَ، لهي معادلة عادلة.. أقبلُ بها راضياً وادعاً، فلا أقلَّ من هذا العدد يساوي حضوركَ بيننا اليوم". ويضيف في تقديم (الرَّجُـل والفسيل) :"أسدد هذه المعادلة ثانية، في غياب الصديق الكبير، لأسوي ديناً لم أحسمه في حياته، لعل إضافة مقال أو كتاب كلما حانت ذكراه تسدّ عن حضوره في محفل أو مجلس يظلّ فيهما كرسيه خالياً منه. لم يجبني محمود على معادلتي، لا في الحفل ولا بعده، ولا أحسب أن تسويتي اليوم ستسدّ فراغه. لا في الحفل ولا بعده. دفع محمود حياته وأدبه، ودافع عنهما بنفسه وحيداً فلما مات جاء مَنْ يسدّ مسدّه. لا عدل في هذا التسديد. ولا جواب. وهذه هي النهاية الحزينة". وقد تضمن الكتاب مقالات كتبها القاص محمد خضير، هي :ظاهرة محمود عبد الوهاب (20 /10 /1999) وأشياء لا تُمحى.. اسم لن يزول (4 /1 /2006 )، وقلبُ العالم -1- .. محمود عبد الوهاب في خمسة تعريفات،(18 /5 /1996)، وقلب العالم-2 - .. مقدمات لقصص محمود عبد الوهاب، (25 آذار 2011)، وعنوان محمود عبد الوهاب، (26 /1 /1996 )، ومات وحيداً،(7 /12 /2011 )، وعينان على الأفق البعيد، في أربعينية محمود عبد الوهاب (20 /1 /2012). كما تضمن الكتاب فصلاً بعنوان (نصوص الغرفة) الذي احتوى على ملاحظات للقاص محمد خضير عن بعض كتابات ومسودات تركها الراحل، بعضها غير مكتملٍ، واختار الراحل لها عنواناً أولياً هو (ثامن أيام الأسبوع)، وعلق خضير عليها: سترتدّ قراءةُ نصوص (اليوم الثامن) إلى فصول، ازدهارها الأولى، وتلتمس تقنيات (اليوم السابع) ودلالاته، ذات الرائحة الملتصقة بالأردية والهيئات القديمة. وقد نشرت، في الكتاب، تلك النصوص غير المكتملة وهي: سرير الرجل العجوز، وعطلة الأعزب، وافتتاح آخر، وتلك اللحظة.. ماذا يفعل العالم؟ والجدار. والقاص محمد خضير رأى بأنه لم تتبقَ من محاولات محمود عبد الوهاب الناقصة غير قصص قليلة كاملة، تستحق النشر في إضمامة، تلتحق بهذا الكتاب وان عدد القصص سبع وكان قد تم نشر بعضها في الدوريات العراقية وأنها الأكمل بين القصص السبع الكاملة له وهي: دروكوكو، وامرأة الجاحظ، وتلك الليلة، والوجه المفقود، والضحك من خلال الدموع، والرجل البدائي، وحكاية قديمة. ويرى محمد خضير أن جمع تلك القصص، وإعادة نشرها مجدداً في (الرَّجُـل والفسيل) و بعد سنة من وفاة محمود عبد الوهاب :"سيملأ جزءاً من لوحة الغياب الفاجع، لكنه لن يطمس الأثر الباقي من لوحة (رائحة الشتاء) في ذاكرة القراء الذين قرأوا نصوصها، فلقد قطع الرحيلُ السرمدي لرجل استثنائي أيَّ أمل في إنتاج متعدد الأصول. رحلت السحابة بمطرها، وأُغلِق الشباك على ساحته بعد أن اكتفى الأسلوب بعنوان أصيل، وأبى تشقيق عنوانات فرعية له من الأثر المكتوم". مبادرة القاص محمد خضير وأمانته بالترافق مع إخلاصه، وجهده الواضح في (الرَّجُـل والفسيل)، شهادة عن مثلٍ وقيمٍ نادرةٍ في الوفاء والإخلاص، في الزمن العراقي الراهن، لعلاقة عميقة جمعت بينه وبين محمود عبد الوهاب. علاقة ذكر عنها القاص محمد خضير انه: حين وقّعَ محمود عبد الوهاب اسمه على أول قصة نشرها (خاتم ذهب صغير- عام 1951) كنتُ استعمل اسمي استعمالاً ابتدائياً على دفاتري المدرسية. كان آنذاك - محمود عبد الوهاب - يثب على جسور المخاطر الحديدية، فيما كنت اجلس مطمئناً على رحلة خشبية. الاسم الحديدي والاسم الخشبي رحلا مفترقين، غير عابئين بالقوانين والاحتمالات التي ستجمعهما في إطار مشترك يقرّب علامات زمنيهما المتفاوتة.