إننا إذا ألقينا نظرة على الأمثلة التي تقدمها الكتب التقليدية في لسانيات النص، وتشرح بواسطتها اتساق النّص وانسجام الخطاب، نجدها أمثلة من اللغة المعيارية وُصولاً إلى اليومية المتداولة. لكنْ أين نحنُ من اللغة الشّعرية؟
وإذا ألقينا نظرة على الدراسات التي قامت بدراسة الاتساق والانسجام في القصيدة نجدُ أنّها تطبّق الإجراءات نفسَها التي طبقتها لسانيات النصّ على نصوص وخطابات يومية مبتذلة، أليسَ في ذلك انتهاكاً لخصوصية اللغة الشّعرية وعدم مراعاةٍ لها؟
لقد سعى هذا الكتاب إلى وضع أسس للسانيات نص خاصة بالخطاب الشعري انطلاقاً من كتاب رائد في الشعرية الغربية هو "بنية اللغة الشعرية" لجان كوهن، نائياً عن المقاربات التقليدية التي بحثت في اتساق الخطاب الشعري وانسجامه بطريقة لا تتلاءم مع خصوصية هذا الخطاب المتميّز وبنيته النصية الفريدة. كما سعى هذا الكتاب جاهدا إلى بناء تعاريف رصينة لأهم ثنائيتين في لسانيات النص وتحليل الخطاب: النص والخطاب، الاتساق والانسجام.