كتاب العقل والبيان والإشكاليات الدينية بقلم يحيى محمد..لكل نظام معرفي هوية تحددها الوظيفة التي يعمل من خلالها. والوظيفة التي تحدد هوية النظام المعياري، أو العقل والبيان داخل الفكر الاسلامي، هي تلك الخاصة بمعالجة العلاقة التكليفية، أي العلاقة المتضمنة لمحاور التكليف بين المكلِّف والمكلَّف. أن لهذا النظام إعتبارات معرفية مختلفة، بعضها ذاتية بيانية، والأخرى عارضة عقلية، ورغم أن الأخيرة تنقسم إلى منهجين معرفيين مختلفين، لكن ما يجمع هذه المناهج والدوائر هو الروح العامة المتمثلة بالنزعة المعيارية كما تعكسها نظرية التكليف.
وقد ظهر بينها أربعة أنماط من الصراع تعبّر عن تناقضات بعضها ذاتية، وبعضها عارضة. فالتأسيس العقلي لم يتخذ منظومة مشتركة ولا قاعدة متحدة. فقد كان هناك عدد من الإعتبارات جعلت من هذا التأسيس يتعدد بتعددها، بل ويتناقض بتناقضها. ففي الغالب كان العقل منقسماً إلى إتجاهين متضادين تولد عنهما الصراع والنزاع، وهو ما أطلقنا عليه (صراع العقل مع العقل)، تمييزاً له عن صراع آخر جرى بين العقل والبيان. كما حدث صراع ثالث بين إتجاهات الدائرة البيانية، يضاف إلى التنافس الحاصل بين الدائرة العقلية والتشريع الديني.
وعموماً، تكشّف لنا عبر هذه الدراسة حالة الضعف والقصور التي تنتاب جميع مناهج الفهم الديني لدى إتجاهات العقل والبيان ضمن النظام المعياري، حالها في ذلك حال مناهج الفهم لدى إتجاهات الفلسفة والعرفان ضمن النظام الوجودي. وبذلك تكتمل الصورة في عرضنا لأنظمة ومناهج الفهم لتراثنا المعرفي الإسلامي؛ بما تتضمنه من ضعف وخلل، مما يجعل الحاجة ماسة للبحث عن منهج مغاير يتفادى ما اعترى المناهج السابقة من خلل وقصور.