لأنه بات عاجزاص من الداخل عن أي نوع من التشريع الروحي الجديد لنفسه المقبلة، وليس كالخوف من الحرية حافزاً على "تهوية" المجتمع وتحويل مستقبله إلى إصلاح هووي لماضيه، كل هوية هي كوجيطو مجروح، مما يعني ملكة إنتماء تعطّل فيها العقل البشري وصارت جهازاً حاضراً للإستعمال العمومي من قبل سلطة أو طفيليات سياسية في ظل حالة اللا-دولة التي تمرّ بها العديد من المجتمعات المعاصرة، وليس من الصدفة أن ما هو مرئي من الإنسان لم يعد بديهياً. ولذلك تميل الفلسفة إلى الإحتماء بتجارب المعنى حتى يظل وجودها ممكناً، ليس الأنا غير بقية غير مرئية من كينونة أجسادنا، وهذا الجانب اللامرئي من هوية الإنسان المعاصر هو ما يجعل الفينومينولوجيات ممكنة، ولكن من دون وعد فلسفي حقيقي، ما نحن سوى أشكال من الترجمة اللحمية لذواتنا، لكن الآخر يكون قد سبقنا في كل مرة، وربما لا تعدو أن تكون كينونتنا سوى حراثة الصمت التي تشير إليها بعبارة "أنا" دون مضمون واضح، هناك دوماً آخر ما ينبغي مراقبة ولادته من تصورنا لأنفسنا. وهذه الأخرية اللحمية هي أفضل مثال على أن ترجمة أنفسنا هي عمل جسدي يعمل على تحرير اللامرئي الذي في صلبنا، ذلك يعني أنه لا توجد هوية جاهزة لأحد كل الهويات ليس فقط لها تاريخ، بل هي تاريخ إنفعالات غير ميسطر عليها، فتحولت إلى جهاز إنتماء بلا ماضٍ واضح، وقابل للإستعمال تحت الطلب، كل الهويات مصطنعة من لعبة بصرية من الإختلاف والتكرار الذي نسي نفسه، وانقلب إلى صورة جاهزة لأنفسنا. لذلك لا يبدأ التفكير في ثقافة إلا بقدر ما تفلح في توفير تربة مناسبة لتلك النباتات التي ترفض أن نتقلب إلى شجر هووي باسق ولكن بلا ثمار مناسبة لأنفسنا الجديدة، وإلى ذلك فإن للمجتمعات براقع هووي لا يمكن الإستغناء عنها مهما أوتينا من غرائز الإختلاف أو ملكات التفرد، وليست عبارات من قبيل "العقل الغربي" أو "العقل العربي"... سوى ضروب من البراقع الهووية لتوجيه العقل في ثقافة ما أو السيطرة عليه ومنعه من أداء دوره الخاص بما هو كذلك، أي في كنف الحرية الجذرية لحدث الحياة بعامة، لكن القدرة الحرة على الأنا من دون أي براقع هووية جاهزة لأنفسنا هو على الأغلب جنون أو نوع من الجنون الذي لا ترتاح إليه أية ثقافة مهما كانت متحررة في مسائل الإنتماء. إن الأنا الشرقي لا يزال إدعاء هووياً بلا مضمون معاصر، لكن سجالات الهوية اليوم ربما هي أكثر أنواع الحجب منعاً لإمكانية الدخول في تجربة شفافة عن أنفسنا الجديدة، من أجل كل ذلك كان على الفلسفة أن تنزل إلى أنفسنا الجديدة كما تحدث لنا من دون سابقية أضمار ولا ترصد هووي. من هنا، تأتي هذه المجموعة من التحقيقات الهووية في الفلسفة المعاصرة، بحثاً عن الذات، ولكن في كل صورها، ولو عادت إلينا من وراء حجاب، آخرية كأشدّ يكون فليس في جبّة الذات غير كل الآخرين الذين كنّا أو سنكون، سكر الدينونة الذي يضاف إلى تربة الروح مع كل وجع بشري يعترضنا من الداخل، وإن كان في قلوب أو حيوات الآخرين، فمن يفكر يستعمل كل العقول التي عرفها، كأنها قطعة من نفسه، وكلما عاد، عاد وحيداً، ولكن في أحضانهم فالفكر محبةً لكل الذين لا أسماء لهم، أو لا يكون
كتاب الكوجيطو المجروح : أسئلة الهوية في الفلسفة المعاصرة تأليف علي فتحي
الهوية إختراع أخلاقي خطير طورته كل الثقافات، وبخاصة تلك التي لم تعد تمتلك أي كنز خلفي أو مخزون إحتياطي لنفسها غير حراسة الإنتماء بواسطة الذاكرة الممنوعة من التفكير، وليست حماية المقدسات غير العنوان العامي لها. الأخلاق هي الكوجيطو المجروح الذي صار يتداوى بثقافة التأثيم،