كتاب الماء الجاري في غسل البخاري

تأليف : علي الكوراني العاملي

النوعية : العلوم الاسلامية

كتاب الماء الجاري في غسل البخاري بقلم علي الكوؤاني العاملي..بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد

وآله الطيبين الطاهرين .

1. تقرأ عن محمد بن إسماعيل البخاري فيعجبك أنه يتيم عصامي، نشأ في بخارى ثم جاءت به أمه وأخوه الى مكة وتركوه فيها ابن اثنتي عشرة سنة، فكان يعمل لمعيشته ويطلب العلم ست سنين، ثم عاش مثلها في المدينة ، ثم تنقل في البصرة والكوفة وغيرها ، وكان يسكن في محلات البخاريين .

ثم رجع الى بلده بخارى وهو في الثلاثينات ،وكان يملي الحديث على الناس ، وبدأ بتأليف كتابه الجامع الصحيح ، وقال الإمام الباجي المالكي صاحب شرح الموطأ إنه سرق كتاب العلل للمديني ، ومنه ألف كتابه !

2. في تلك الفترة كان المأمون يمتحن القضاة والفقهاء والمحدثين في خلق القرآن ، فقد رأى نفوذهم الكبير في الناس، وحقد عليهم أنهم أفتوا لأخيه الأمين بخلعه وساعدوه على حربه ، فأراد ضرب نفوذهم ، فوجد بعضهم يقول بقدم القرآن لأنه كلام الله ، فجعل هذه المقولة سيفاً عليهم ، وأمر بامتحانهم واحداً واحداً ، فمن قال إن القرآن قديم غيرمخلوق فهومشرك يتخذ مع الله شريكاً ، ولايستخدم في الدولة ، ويستتاب ، وقد يقتل .

وفي تلك الفترة لم يكن البخاري معروفاً ، فلم يحضروه للإمتحان ! وبعد أربع سنوات من بدء الإمتحان مات المأمون ، فتابع أخوه المعتصم ثم ولده الواثق سياسته ، وواصلا امتحان العلماء عشرين سنة ، حتى جاء المتوكل فأدان موقف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون ، وجعل الإمتحان بالعكس ، فمن قال بخلق القرآن يمنع من الوظيفة ، وقد يقتل .

3. برز في زمن المتوكل أحمد بن حنبل، لأن المتوكل قال له: يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة ، وكان لاينصب قاضياً ولا شيخاً إلا برأي أحمد ، فصار بيت أحمد محجاً لهم ، وكان ينفق عليهم من أموال المتوكل .
وقد حمل البخاري ما كتبه من صحيحه الى بغداد ، وعرضه على أحمد فأعجبه وأكرمه ، ثم زاره ثمان مرات كما قال ، ثم جاء الى بغداد في آخر حياة أحمد ، لكن علاقته معه خربت ، لأنه تأثر بالكرابيسي فقال: لفظي بالقرآن مخلوق ، لأن أفعالنا مخلوقة وتلاوتنا من أفعالنا، فحكم عليه أحمد وعلى الكرابيسي وجماعته بالضلال والكفر ، وأنهم شر من الجهمية !

وتوفي أحمد ، وتابع موقفه خليفته أبو بكرالمروذي وجماعته، وشددوا على الكرابيسي، فاضطر البخاري أن يغادر بغداد الى نيشابور ، فكتبوا الى إمامها محمد بن يحيى الهذلي أن يمنعه من التحديث فمنعه وضيق عليه، فغادرها الى الري فعاداه جماعة أحمد وطردوه ، فذهب الى بخارى ، فكتبوا الى واليها أن يحضره ويمتحنه ويقتله إن ثبت عليه القول بخلق القرآن، فبعث في إحضاره فهرب من بخارى قاصداً سمرقند ، وفي الطريق عرف أنهم أرسلوا الى واليها أن يمتحنه ، فذهب الى قرية خرتنك التي له فيها أقارب، وبقي فيها مدة يسيرة ، وكان يعيش أزمة نفسية حادة من ظلم أتباع أحمد ، والخليفة الملقب بالمعتمد !ومات في أوج ظلمهم له ، وأزمته منهم !

4. مات البخاري مطارداً ، محكوماً عليه بالكفر ، لكن الخلافة تبنت كتابه لأنه مؤلف على مذهبها ، ففيه كل المواصفات المطلوبة ، من الطعن الخفي بأهل البيت عليهم السلام ، وتقديس الشيخين ، والدفاع عن بني أمية ، والتجسيم ، وقد كان تأليفه بتوجيه ابن حنبل المرجع المرضي عند المتوكل !

وبحثوا عن نسخته فوجدوا مسودة ناقصة عند تلميذه الشاب الفربري . قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري/6: (إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض!

ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشمهيني، ورواية أبي زيد المروزي ، مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم انتسخوا من أصل واحد ! وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة ، أنه من موضع ما،فأضافه إليه! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث)! والطرة ورقة طويلة ، والرقعة ورقة عادية .

5. قدم البخاري خدمات مهمة للسلطة في كتابه ، لكن أكبرها إخفاءه الأحاديث الصحيحة ، وتدوين الأحاديث الموافقة لدين السلطة !

قال البخاري: (أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح). (تغليق التعليق لابن حجر:5/418)

وسر عمل البخاري، انتقاؤه أحاديث بلغت بدون تكرار 2602، وقيل 2761 حديثاً ، من مئة ألف حديث يحفظها !

يضاف اليها تعليقاته من كلامه وكلام غيره التي بلغت نصف كتابه!

وكمثال لعمله: رووا في تسمية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام بأبي تراب أسباباً ، واشتهر منها حديث عمار الصحيح بأن ذلك كان في غزوة العشيرة،وأن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بأنه سيقتله أشقى الآخرين، وروى خصوم علي عليه السلام أن سبب التسمية أن علياً اختلف مع فاطمة عليهما السلام وغاضبها، وذهب ظهراً الى المسجد ونام ، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فلم يجده ، ووجده في المسجد فجاءه وقال له: قم يا أبا تراب ! فاختار البخاري حديث مغاضبته لفاطمة عليها السلام !

وبما أن حديث عمار صحيح مشهور، خشي البخاري أن يتهممه أحد ببغض علي عليه السلام فقال إنه ترك حديث عمار لأنه:(لا يعرف سماع يزيد من محمد، ولامحمد بن كعب من ابن خثيم،ولا ابن خثيم من عمار)!

وأجابه ابن حجر فقال في تهذيب التهذيب (9/130): (فما المانع من سماعه من عمار؟ وعند ابن مندة من طريق محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق التصريح بسماع محمد بن كعب من ابن خثيم ، وسماع يزيد من محمد بن كعب ، فإن في سياقه عن يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب قال: حدثني أبو محمد بن خثيم). فأظهر تحيز البخاري ضد علي عليه السلام من حيث لا يقصد !

وفي غزوة خيبر فتح النبي صلى الله عليه وآله القسم الشرقي منها وترك فيها علياً عليه السلام ليرتب أمورها، وحاصرالقسم الغربي وهويبعد نحو عشرة كيلومترات ، فعجز الصحابة عن فتح حصنها القموص، وقالوا للنبي صلى الله عليه وآله أرسل الى علي!
فرأى البخاري رواية لسلمة بن الأكوع يقول فيها ذهبت فجئت بعلي على بعير، وكان تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وهو يقصد أنه تأخر في القسم المحرر من خيبر ، فطار بها اليخاري كما يطيرالوهابي بخبر ضد الشيعة ، ورواها أربع مرات قائلاً إن علياً عليه السلام تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله في خيبر! مع أنه يحفظ أن علياً فتح كل حصون خيبر!

ثم هو يحفظ ما استفاض في أن راية النبي صلى الله عليه وآله كانت دائماً مع علي لكنه وجد رواية لصاحبه الزهري توهم غير ذلك، فعنون لها باباً (4/12): (باب ما قيل في لواء النبي (ص)إن قيس بن سعد الأنصاري وكان صاحب لواء رسول الله (ص) ! فقال ابن حجر (6/89): (قوله:وكان صاحب لواء النبي.أي الذي يختص بالخزرج.وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس أن راية النبي كانت تكون مع علي،وراية الأنصارمع سعد بن عبادة).

فأظهر ابن حجر تحيز البخاري ضد علي عليه السلام عن غيرأن يقصد أيضاً !

وفي سورتي المعوذتين ، ترك البخاري الرواية التي تنص على أنهما من القرآن وروى الحديث الذي يوهم أنهما ليستا من القرآن !

الى آخر ماسترى من أفاعيله المغرضة ، التي تخدم دين الحكومة !

6.نقد علماؤنا روايات البخاري ومؤلفها من قديم ، ولعل أشهر من كتب في الموضوع العلامة الباحث السيد ميرحامد الحسيني قدس سره فقد تضمن كتابه عبقات الأنوار نقوداً بليغة للبخاري .ثم كتب بأعمق منه وأوفى مرجع الطائفة المحقق شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره (1266- 1339 ه‍ ) كتابه: القول الصراح في نقد البخاري والصحاح، طبع في قم ، وهو من أجل الكتب في الموضوع . ثم وجه الشيخ محمود أبو رية، وهو من علماء الأزهر نقوداً مهمة للبخاري في كتابه:أضواء على السنة المحمدية. ثم كتب المحقق الشيخ محمد صادق النجمي كتابه: أضواء على الصحيحين ، طبع في قم . ثم كتب العلامة المحقق الشيخ حسين غيب الهرساوي رسالتين: الإمام البخاري وفقه أهل العراق ، والبخاري وصحيحه ، كشف فيهما أوجهاً في ضعفه العلمي، طبعتا في قم ، وكتب آية الله المحقق السيد علي الميلاني رسالة: الصحيحان في الميزان ، نقد فيها الكتابين ومؤلفيهما ، بنقد مجموعة أحاديث رووها ، أورد عليها إشكالات علمية .

هذا مضافاً الى عشرات الكتب في نقد البخاري من عصره الى عصرنا ، من علماء وباحثين سنة وشيعة ، ومنها كتب لأزهريين وأساتذة أكاديميين، وصفوا البخاري بالأسطورة وبالصنم..

شارك الكتاب مع اصدقائك