كتاب المجذوب من تأليف حسين جداونه .. تنتمي نصوص كتاب "المجذوب" إلى السرد الوجيز، وهي مستوحاة من كتاب الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح ابن عبّاد النفزي الرُّندي. تعد هذه المجموعة من النصوص مغامرة في مجالها، إذ تتناول إعادة صياغة بعض الحكم العطائية وفق السرد الوجيز: قصة قصيرة جدا، وومضة، وشذرة، ووفق فهم المؤلف الحالي للحكم العطائيّة وشرحها، من غير أن يخرجها عن معناها العام.
وكانت هذه التجربة محفوفة بالمخاطر لما للتجربة الصوفية من خصوصية في التعامل مع اللغة، ألفاظًا وتراكيب، ومعان ودلالات. فكان على المؤلف الحالي أن يفكك (الحكمة العطائية) ثم يعيد تركيبها، تركيبًا جديدًا، وفق منظور سردي مختلف، من غير أن يخل بدلالاتها القريبة والبعيدة، إذ كان لا بد من المحافظة على معاني الحكم العميقة والدقيقة.
تمثل الاستيحاء هنا بمجموعة من الإجراءات الفنية منها:
ـ تفكيك النص الأصلي، وإعادة تركيبه بأسلوب جديد، وفق تقنيات سردية مختلفة، مع المحافظة على معناه، واستعمال ألفاظه أو بعضها.
ـ توسيع فكرة النص الأصلي أو تضييقها وفق رؤية الكاتب.
ـ دمج نصين ببعضهما، منتجًا نصًا جديدًا.
ـ شرح النص الأصلي بالنص الجديد.
ـ محاكاة النص الأصلي بنص جديد.
ما بين الحكمة من جهة والقصة القصيرة جدا والومضة والشذرة من جهة أخرى وشائج وصلات كثيرة. فالثانية تنهل من الأولى، غير أن لكل منهما غاية وهدف، فإذا اتجهت الحكمة مباشرة إلى المتلقي، وباحت بكل ما لديها، فإنّ الأمر مختلف مع الأخرى، وخاصة القصة القصيرة جدا، فهي لا تخاطب المتلقي مباشرة، ولا تبوح بكل ما لديها.
احتوى الكتاب على مئة وعشرين نصًا، توزعت ما بين القصة القصيرة جدا والومضة والشذرة. تناول الكتاب بعض الموضوعات المتصلة بعلاقة العبد بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بالآخر، من منظور صوفي. والعبد هنا هو السالك أو المريد الذي يقطع الطريق إلى مولاه بالمجاهدة والرياضة، وهو المجذوب نحو ربّه، لا يبتغي عنه بديلا. وسواء أكان المجذوب هو من هام على وجهه حبًّا لله، فخلع عن نفسه مظاهر الدنيا وإغراءاتها، أم أنّ الحقّ جذبه إلى حضرته " وأوْلاه ما شاء من المواهب بلا كُلفَة ولا مجاهدة ورياضة"، فإنه يبقى نافرًا من الدنيا وما فيها، ومجذوبًا إلى الحقّ المطلق هائمًا به.
فقد تناول الكتاب موضوع الإخلاص في العبادة، والقبول، والزهد، والمواهب الربانيّة، والرضا، والتدبير، والحجب، والاجتهاد، والاختيار، والشك، واليقين، والجذب، والسلوك، والطلب، والغفلة، والرحلة، والتجرد، والوصل، والهمّة، والكرم الإلهي، والشكر، والمكر، والمقامات، والأحوال، والشهود، والمعرفة، والوحشة، والأنس، والستر، والقرب، والأنوار، والخوف، والرجاء، وغيرها من مواضيع التصوّف.
ومن أجواء الكتاب نقرأ النصوص الآتية:
تسليم
لجأ إلى شيخه:
ـ مولاي، أيّها الربّاني، لا غنى لي عن الاختيار..
ضربه في صدره:
ـ إذا كان ولا بدّ، فاختر ألّا تختار...
***
كريم
مرّت به كلّ يوم..
تجاوزته إلى غيره.. عندما قصدته..
وجدته في انتظارها...
***
أمنية
ـ شيخي، يا زين العارفين، متى الامتحان؟
ـ ماذا أعددت له، يا بنيّ؟
ـ الدعاء.
ـ هيهات.. هيهات...
***
صحبة
صحب عبده وهو عليم بعيبه..
ستره وغفره وعفا عنه..
وعبده آبق..
يجحد فضله...
***
تلبيس
رفل بأثواب التواضع؛
تكشّفت عورته.
***
حكمة
أطلعه على غيب ملكوته؛
حجبه عن أسرار عباده.
***