كتاب المجنون من تأليف علي حزين .. قالتْ , وقلتُ
بقلم / على حزين
هي قالت :ــ "لا أريدك ".. وأنهت الحوار, وأنا قلت: ــ "أريدك ".. وطال الانتظار, ثم تفرقنا كل منا في طريق, لكنها قبل أن تتركني, أطفأت الشمس في عيني, وبعثرت النجوم في الماء, وانشق الرتْق , وأخذتْ معها النهار, وأُسدل الستار, وتفرق الجمعُ الذي كان يجمعنا, وصمتْ صوت القيثار, وفرغ القلم, وجف المداد ...
هذه حكاية قديمة , ومضت, من سنين كانتْ, وكنتُ, وكُنا .. كانتْ ستكون .. وكنتُ سأكون .. وكنا سنكون .. كانتْ هي ...... وكنتُ أنا ..... وكنا سويا .......
كانتْ وردة جميلة برية , وكنتُ أنا البستاني راعي الزهور , وكنا مؤتلفين ,
ربما هي تذكر ذلك , أو ربما لا تذكر, لا يهم , المهم أنها كانتْ , وكنتُ, وكنا معاً سنكون ..
وكنتُ سأكون وكل ذلك كان منذ بضع سنين .....
اقتربتْ مني, اقتربتُ منها, لا لم تقتربْ مني, ولم أقتربْ منها , لا ربما أنا الذي اقتربتُ منها, وربما هي اقتربتْ مني , وربما اقتربنا , وربما لم نقتربْ , وربما لم يقتربا بعضنا من بعض
وربما بعقلي المريض تخيلتُ ذلك, بأنها اقتربتْ ولم تقتربْ, أنا لا أذكر من اقتربْ أولاً من الآخر لكن الأكيد والمؤكد أن أرواحنا هي التي اقتربتْ من بعض .. وربما لم أنتبه لذلك ...
تذكرت.. أول لقاء جمع بيننا, كان في فصل الربيع , وكانتْ زهرة برية, وأنا أعشق الربيع والزهور والعصافير, والمطر ...
يومها هي قالتْ ... وأنا قلتُ ... عيناها قالتْ , نبرتها قالتْ, حركاتها, سكناتها , نظراتها قالتْ, مشيتها قالتْ , اهتمامها بي قال, وكل شيء فيها قال, وتكلم ,
وانا قلتُ .... وقلتُ .... وقلتُ .... لا , لا, بل هي قالتْ , وقالتْ كثيراً, وأنا لم أقل شيئاً إطلاقاً, لم أنطق ببنت شفة, ولم أتكلم, وكنتُ أعلم ما تقول, فقط, كنتُ أسمع, ولا أتكلم ,
لكن بحثتُ عن لساني لأقول لها شيئاً فلم أجد, ولم يطاوعني إلا أن أنطق بكلمة واحدة وفقط " أنا أريدكِ حبيبتي" وهي قالتْ عيناها " وأنا أريدكَ حبيبي " وابتسمتْ شفتاها, فلم أستطع أن أقول شيئاً بعدها ولم أفعل أكثر من هذا, ثم بحثتُ عن منديلي لأجفف به نزيف العرق , وعن أقرب كرسي لأجلس عليه ... وكنتُ سأسميها مليكتي .. وكانتْ ستسميني حبيبي ,
وصارتْ, وأمستْ, وظلتُ, وباتتْ, وما زالتُ, وما برحتْ , وربما كانتْ, وكنتُ, ومازالتُ, والله أعلم بالنوايا والضمائر وما تخفي الصدور .. كانتْ, وكنتُ, وكُنا, أنا وهي كنا سنكون ....
هذه حكاية قديمة حدثتْ معي من سنين, وما أقوله لكم ليس من الواقع, ولا يمتْ للخيال بصلة , وقد تكون قصة حقيقة واقعية مئة في المئة, وقد تكون خيالاً في خيال وربما تكون لا هذا ولا ذاك مع أني أؤمن بأن هذا من ذاك وذاك من تلك ..
فاجأتني المفاجئة حين رأيتها عادتْ, وعدتُ حين عادتْ بعد سبع سنين عجاف عادتْ كما كانتْ هي هي لم تتغير, وربما تغيرتْ, وعادتْ السنين الخوالي, وعادتْ الذكريات , عادتْ كالشمس لتشرق علينا من جديد, عادتْ وكأن شيئاً لم يكن, أو كان شيئاً وعاد لم يكن شيئاً كان, وكنتُ حين كانتْ, ولا زلتُ ولا زالتْ, وعدتُ أتصبب عرقاً, وأتلعثم أمامها في كلماتي كالطفل الصغير, وعادتْ لتشعل الحرائق في قلبي وعادتْ وعدتُ وعدنا, وعاد الحب يعرش في قلبي وعاد معها الحنين , وراح يخربش في الوتين, وكأني يوم رأيتها ثانية ولدتُ من جديد ,
وكانتْ ستكون وكنتُ سأكون وكنا سنكون من سبع سنين , بدأت الحكاية .. تلك كانتْ قصتي معها وهذه هي الحقيقة, وربما كانتْ وكنتُ وكنا سنكون .. لكنها اليوم عادتْ بهيئتها يوم كانت,
وكان من الممكن أن نكون, ولكن الممكن شيئاً والواقع شيء آخر, وكان من الممكن ألَّا تعود ولكنها عادتْ وجاءتْ بكل تفاصيلها يوم كانتْ زهرةً بريَّة .. ورأيتها مرة أخرى, وسمعت صوتها الرخيم فهز كياني , وسخونةً أمسكت جسدي, وطار عقلي من رأسي .. ولكن قدَّر الله وما شاء الله فعل ..