كتاب النبع الذي لا ينضب: مكمن التقدم بقلم إبراهيم البليهي..الجهد البشري المنظم المنبثق عن معرفة واسعة, عميقة, و حماس متجدد وإنتماء حميم وولع صادق بالخير العام ... هذا الجهد الناضج المنفتح ... هو النبع الذي لا ينضب, وهو الثروة المتجددة التي لاتجف ... فمع كل مولود جديد احتمال بميلاد طاقة إبداعية منتجة ... أو إضافة عبء ثقيل إلى أعباء التنمية "بعد تخرجي من الكلية وضعتني الأقدار موضع المسؤولية في البلديات وتدرَّجْتُ في هذا القطاع من رئيس بلدية إلى مسؤول عن عدد كبير من البلديات بحائل والشرقية والقصيم حتى تقاعدتُ،
وخلال أكثر من ثلث قرن عانيت من تكالب أهل المصالح ومن شراسة أهل الأهواء كما اكتشفت العجز عن حُسْن الأداء فالكلال المهني هو المسيطر وانعدام الولاء للعمل هو السائد والرغبة في الإتقان غير موجودة والتهرب من المسؤولية ظاهراً للعيان والخوف من المبادرة يشل حركة القلة النابهين وكان أسوأ العاملين أداء هو أكثرهم شغبا وإفسادا وأشدهم إدعاء وانتفاشاً وكان كتاب «النبع الذي لا ينضب» مرافعة غاضبة ضد هذا الكلال المصحوب «بالانتفاش الفارغ». واكتشفت بالعمل الميداني في البلديات مع مختلف الجنسيات الفرق الشاسع بين مهارة وإتقان والتزام وتواضع الإنسان الكوري مثلاً وكلال وإهمال وانتفاش الإنسان العربي وتبيَّن لي من ذلك أن الاختلاف ناتجٌ عن تباين منظومة القيم واختلاف البرمجة الثقافية السابقة للتعليم وليس عن اختلاف المواد الدراسية، فأصبح واضحاً عندي بأن هذا العجز العام في العالم العربي ناتجٌ عن خلل ثقافي سابق للتعليم ومصاحب له، وهو خلل عام وعميق الجذور وبذلك توصَّلْتُ إلى أن التخلف ليس حالة أو عَرَضاً يمكن علاجه بإنشاء المدارس والجامعات، وإنما هو بنية ذهنية وعاطفية قوية وراسخة وشديدة التماسك ومتعددة المكوَّنات ومتداخلة العناصر، وأن هذه البنية ذات أبواب مغلقة وأسوار محْكمة لا تسمح بأي مساس بذاتها ولا التشكيك بتكوينها وأنها تحتمي بأوهام الكمال عن أية مراجعة أو تصحيح، وأنه كلما اشتد التخلف تضاعفت أوهام الامتياز واستحكم الانغلاق، وأنه لا يمكن الإفلات من هذه الأوضاع المزرية إلا بالانفتاح الحقيقي على المنجزات الإنسانية في مجالات الفكر والعلوم والممارسات."