كتاب تأملات مسلم بقلم عبدالرحمن أبوذكري..صدر لي قبل أعوامٍ خمسة كتابٌ بعنوان: «أفكار خارج القفص»، وهو من نفس فصيلة الكتابة الشذريَّة التي ينتمي إليها هذا الكتابُ. وإنما دفعني إلى تبني هذا اللون من الكتابة الرغبةُ في إطلاع القارئ على بعض مراحِلِ التطور التي يمرُّ بها المفكرُ، لا أعني تطور الأفكار فحسب؛ وإنما تطور منهج النظر الكُلي الذي تُعَالَجُ به شتَّى الموضوعات أيضًا.
وتمثِّل هذه الطريقةُ الشذريَّة سُلَّمًا أساسيًّا في تطور منظومة أي مُفكرٍ حركي يؤمن بتمثُّل كل ما يعتقده وتجسيد كل ما يؤمن به، ككاتب هذه السطور؛ ويبغضُ التقاليدَ الأكاديميةَ المدرسيَّة الجوفاء، ولا يُهدِرُ أبدًا قيمة أنواعٍ أخرى من المعرفة؛ أسمى وأكثر ربانيَّة، ولا الطرائق المختلفة والمتنوعة في تحصيلها؛ مثل المعرفة الحدسيَّة والإلهام والمعرفة الإشراقيَّة (العرفان).
إن هذه الطريقة القرآنيَّة لا تجعل من الفكر الإنساني نسقًا مُنفتحًا دائم الانفتاح فحسب؛ بل تُبرهِنُ لكل ذي عقل موَّارٍ يتحرَّكُ بإدمان النظر، وكل ذي نفسٍ لوَّامةٍ تتحرَّكُ بمكابدة الذكر، وكل ذي جسدٍ أنهكته الحركةُ بالطاعة والامتثال؛ على أن التأمُّل والاستنباط في مواضعِهِ أبلغُ وأحكمُ وأنضجُ من عبثيَّة «الاستقراء»، ومن رصِّ المعلومات «الموثَّقة». بل إن التأمُّلات قد تصير في كثيرٍ من الأحيان هادِمًا مُناقِضًا للمعلومات «الصحيحة».