كتاب تنمية المفاهيم العلمية والرياضية لطفل الروضة للمؤلف بطرس حافظ بطرس تعد مرحلة الطفولة المبكرة من أخصب وأخطر مراحل العمر في حياة الإنسان، وهي مرحلة جوهرية وتأسيسية تعتمد عليها مراحل النمو الأخرى. وقد حدد العلماء مرحلة الطفولة المبكرة من الولادة حتى السنة السادسة من عمر الطفل، ومن خصائصها أن النمو يكون فيها سريعاً وحساساً في جميع النواحي. فالجهاز العصبي يخضع لأقصى سرعة نمو له في السنوات الخمس الأولى، فحوالي 80% من النمو العقلي يتم في هذه المرحلة، كما
أن هذه المرحلة هي مرحلة نمو اللغة والعاطفة والعلاقات الاجتماعية، وتتكون فيها بذور الشخصية، كما يتكون فيها الضمير والوازع الديني. وأي اختلال يطرأ في هذه المرحلة ولا يكشف ويعالج في الوقت المناسب يقلل من قدرات الطفل العاجلة والآجلة. إن التحاق الطفل بالروضة يشكل رافداً مهماً لعملية نموه من خلال ما يقدم له من أنشطة وخبرات، وما يوفر له من إمكانات تتلاءم مع حاجاته وخصائصه، والتي عادة ما يحرم منها الطفل حين لا ينضم للروضة، وبخاصة الأطفال المنحدرون من بيئات فقيرة مادياً أو بيئات غير واعية لأهمية تلك المرحلة وكيفية التفاعل معها وإشباع حاجاتها. كما أن إنضمام الطفل لبرامج الطفولة مبكراً سيساعده على فهم علاقته بالعالم المحيط به، ومعرفة ما يدور حوله، ما يشعره بالأمن الذي يسهل عملية تطوره ونموه، حيث أن حرمان الطفل من الشعور بالأمن يهدد تطوره ونموه من جميع الجوانب. ومما يجعل مرحلة الطفولة المبكرة أكثر أهمية من بقية مراحل عمر الإنسان هو تميز تلك المرحلة بحماس الطفل وحيويته وميله نحو اكتساب المهارات والمعارف، فليس هناك أي فترة في حياة الفرد توازي حماس الطفل للتعلم في تلك المرحلة، هذا إذا سمحنا بتقديم الخبرات بطريقة ملائمة للطفل من الناحية النمائية، كما أن أساسيات التعلم الإنساني يتم اكتسابها في هذه المرحلة العمرية من عمر الإنسان. لقد استنتج العديد من الباحثين أن برامج رياض الأطفال ذات الجودة العالية لا تؤثر في حياة الطفل وأسرته فقط، بل ينتج عنها مكاسب اقتصادية للمجتمع، حيث إن العنصر البشري يعد من أهم العناصر اللازمة للإنتاج، وتتأثر قدراته ومهاراته تأثراً مباشراً بما يتلقاه في مرحلة طفولته، مما يؤكد أن نجاح الدول الاقتصادي يتأثر بمدى فاعلية برامج التربية والتعليم، والتي تشمل مرحلة الطفولة المبكرة، وأن فرص تحقيق التنمية البشرية يعتمد اعتماداً كبيراً على ما يوفره المجتمع من اهتمام ورعاية للطفل ولا أبالغ إذا قلت: إن مرحلة الطفولة المبكرة هي بداية لفترات النمو المهمة في حياتنا جميعاً، وإن إهدارها يعد إهداراً لأهم عنصر من عناصر الإنتاج المستقبلية وهو القوة البشرية. وتعليم المفاهيم العلمية والرياضية يكسب الطفل كثيراً من المعلومات العلمية والرياضية المفيدة عن بيئته التي يعيش فيها. وتجعله على اتصال مباشر بالطبيعة التي يستمد منها حياته ورزقه وراحته ورفاهيته، كما أنه يتمتع بمشاهدتها فتثير في مخيلته أفكار عميقة في سبيل حل رموز المشاكل التي تعترض سبيله كل يوم. ويزيد إدراكه للعلاقات التي تربط مختلف المخلوقات ببعضها كما أنها تجعله ذا رغبة واحترام لكل ما هو حقيقي وواقعي في حياته ونبذ كثير من الفكر الخاطئ والآراء الباطلة. وتساعد العلوم والرياضيات الأطفال على تميز الأشياء وفهمها كما هي في الحقيقة وكذلك التعبير عنها. كما تولد فيهم حباً للجمال ولكل ما هو جميل في حياتهم وتزيدهم متعة وانشراحاً بالألوان الطبيعية الجذابة، وبالأشكال المنسجمة والموسيقى المتناغمة المتمثلة في كل مظهر من مظاهر هذا الكون المدهش. والأطفال الصغار يراقبون ويتجولون ويدرسون فهم يكونون مهارات الملاحظة والوصف عن طريق التجارب العلمية البسيطة والمفاهيم الرياضية الموجودة حولهم، وتساعدهم هذه التجارب وهذه المفاهيم في كسب المعرفة للعالم من حولهم والتعجب وفهم الكون ونمو طرق التفكير وخاصة المجال الرياضي، حيث الفضول الطبيعي لصغار الأطفال فيمكن تنظيمه وتوجيهه لكي نجل التعلم أكثر تحديداً من خلال أنشطة مخططة يمكن أن تساعد في نواح ثلاث: الأولى: إكساب الأطفال معلومات عن دنيا الطبيعية، والثانية: بالقوانين الأساسية مثل الجاذبية وبعض العمليات الجوهرية مثل الإنبات، وثالثهما: تعلم الطرق العلمية كالملاحظة وتحقيق الأفكار والقياس. والعلوم تنمو عن طريق ملاحظة الأحداث أو التساؤل أو تحقيق الفروض أو الظنون غير المضبوطة عن سبب حدوث الأشياء بالطريقة التي نراها بها وتناول الأشياء لمعرفة ما سوف يحدث وقياس النتائج وذلك في كلاً من المجالات العلمية والرياضية. ولا يخرج الأطفال عادة بفروض ولكنهم يستطيعون تمخيض أفكارهم لنرى ما سوف يحدث لو وضعنا طبق الماء الصغير هذا في الشمس، وبوسعهم أن يتعلموا الأسئلة وأن يساعدوا في الوصول إلى الأجوبة بأنفسهم وبوسعهم أن يلاحظوا ما يحدث نتيجة لما يقومون به، خاصة إذا نظمت الأنشطة بدقة. ومما سبق فإن العلوم تسهم بمقدار كبير في نمو المفاهيم العلمية والرياضية للأطفال وتساعدهم على التفكير العلمي في شتى المجالات وتنمي القدرة على حل المشكلات التي تقابلهم وفيما يلي عرض لمحتوى الكتاب الذي يتضمن أربعة وحدات: تشير الوحدة الأولى إلى النمو العقلي المعرفي على ضوء نظرية بياجيه ومراحل النمو، وتشير الوحدة الثانية إلى تطور ونمو المفاهيم العلمية والرياضية خلال مرحلة العلميات المحسوسة، كما تشير الوحدتين الثالثة والرابعة إلى التضمينات التربوية لنظرية بياجيه لإكساب أطفال ما قبل المدرسة للمفاهيم العلمية والرياضية والأنشطة اللازمة لتنمية هذه المفاهيم كما حرصنا في هذا الكتاب إلى تزويد معلمة رياض الأطفال بالعديد من الأنشطة التي تمكنها من تنمية المفاهيم العلمية والرياضية لأطفال ما قبل المدرسة.