كتاب حفيف السنابل من تأليف علي حزين .. قصة قصيرة
زيارة من نوع ما ...
بقلم / على حزين
كان يوم شؤم .. بدأ كل شيء غامضاً , غريباً , غير مألوف .. وعلي غير عادته.. حالة هياج شديدة تَلُّف المدينة الهادئة .. وحمّى من نوعٍ ما .. تنتاب الشوارع , والميدان .. وكأن كارثة وشيكة , أو قد حلت .. ضجيج .. صخب .. هرج .. مرج شيء عجيب .. أشبه بالفوضى .. وحركة دائبة , مضطربة , مرتبكة ـ لا تنقطع ـ في قلب المدينة , وضواحيها , ..........
خيل إليه للحظة , لو أن الأرض كفت عن الدوران , وتوقفت , ما توقف هذا الارتباك الشديد الغامض الذي ملأ الشوارع , والميدان ........
الناس في حالة هلع شديد .. تهرول .. تتلفت .. تتعثر .. تسرع .. تجري .. تختبئ .. تطل برأسها من كل مكان .. العربات تغير وجهتها قصراً .. وإلا سيتحمل أصحابها وخائم التبعات , والنتائج المترتبة على ذلك .........
الشرفات مُلأت علي أخرها .. في انتظار هذا القادم .. واللافتات العريضة , مكتوب عليها كل عبارات الترحيب , والصور , لصقت بطول الحائط , وعلقت بعرض الشوارع , وفي كل مكان .. بنات المدارس بزيهم الأزرق يملأن الشوارع .. وقلب الميدان , وهنّ يتأبطنّ حقائبهنّ المدرسية ذات المناظر الطبيعية الخلابة , والنجوم والشخصيات البارزة , يتمايلن , يتسللن , ويمشين علي مهلٍ .. وكأن الأمر لا يهمهن , ولا يعنيهن في شيء , يتهامسن , غيرعابئات بالتحذيرات والتهديدات , يرموهن بنظرات اللامبالاة .. ثم يضحكنّ .. ويمضين في طريقهن .. والشمس بدت .. وكأنها تسترد عافيتها .........
يقف خائفاً .. يترقب .. ينظر هنا وهناك .. وينتظر .. لأن الأمر بالنسبة له جد خطير .. يُهمه .. ويفزعه .. قدوم هذا الكائن .. العجيب .. الغريب , الذي طالما سمع عنه الكثير, والكثير ..........
" حتماً سيأتي بعد قليل .. ليقلب المدينة رأساً علي عقب .. مُقطّب الجبين .. زاماً بين حاجبيه .. لا يعجبه شيء .. يحدق في كل اتجاه كصقرٍ جارح " .... ,
يدنو من بضاعته , في قلق داخلّي , مذعوراً , متحفزاً , يخاف أن يظهر , فجأة أمامه .. ينزل من السماء .. او يخرج من تحت الأرض .. أو من وسط الزحام .. فيركله , أو يرفُثه , او يؤذيه , أو يحرقه بنظراته السامة .. يلوح بعيداً بعينيه .. متحيزاً إلي سور المنتزه الحديدي متحفذاً .. ومستعداً لكل التوقعات .. راجعَ مع نفسه بعض الأمور, وما سيفعله , إذا ما بدا يتجلى , أو يظهر ذلك القادم الغريب , .........
أطرق برهة يفكر , هنيهة , يدير في جمجمته .. سيناريو صغير .. رسمه في ذهنه سيقوم بأدائه , عندما يأتي هذا المنتظر .........
المعنيون بالأمر تجمعوا حوله .. محذرين .. ومنذرين .. أخبروه بكل شيء .. بصراحة , ووضوح , ثم فطّموه بما يجب أن يفعله , وما يقوم به , إذا جاء من هم في انتظاره .. ثم انصرفوا غير بعيد .............
تمتم ساخطاً , لعن أبوه , وأمه , واليوم الذي جاء فيه إلي الدنيا .... " موقف صعب , والمهمة ثقيلة علي النفس ".. هكذا كان يخاطب نفسه .. رمقهم في غيظ .. وغضب .. والشرر يتطاير من بؤبؤ عينيه , وهم مازالوا منهمكين في إفراغ الشوارع من كل شيء يعيق حركة المرور .. يوسعون الطريق ينظفونها من القمامة .. ويبعدوا المارة عن المكان ..
فهم يخافون أن تقع عينه علي عيب .. أو شيء قبيح .. فلا يروقه , ولا يعجبه منظره , فتكون الطامة الكبرى , والمصيبة العظمى , وقاصمة الظهر, وهلكتهم جميعاً , فيظعنون الناس غير أبهين علي شيء .. أو باقين علي من يعرفونهم ..
عض يده من الغيظ .. مصمص شفتيه في حنقٍ , وحرقة , وقرف .. ضرب يده علي فخذه .. كور ريقه الناشف في فمه .. بصق علي الأرض , وعليهم , وعلي كل ما يدور حوله .. وعلى الدنيا كلها ............
لافتات معلقة هنا وهناك .. منتزهات نظيفة مزينه .. شوارع مكنوسة , وأرض مرشوشة بالعربات الصغير , البيضاء .. وأصحاب المحلات الذين قاموا تطوعاً برش الماء .. بالخراطيم ليسكنوا الغبار, والتراب .. والمارة يتحاشون كل ذلك .. ويمضوا مسرعين .. إلي حال سبيلهم ......
انتصف النهار.. واشتدت الشمس وقوي ساعدها .. وكثر الزحام وبلغ ذروته .. بعضاً من المعنيين بالأمر .. يقفون على مفارق الطرق .. يشيروا بأيديهم .. لتنظيم حركة المرور المزدحمة , بعربات " الكارو" والحنطور " والمكروباظ ".. وعربات اليد .. والناس اللاهثة العابثةُ , المُكشّرة عن أنيابها .. بحواجب مدّلاة .. وشوارب طويلة .. تزغر بعينيها .. وتمرق مسرعة .........
يسمع بعض المارة .. يسب ويلعن الذي كان السبب في قطع العيش , والأرزاق .. فيؤمن على كلامه .. تقف فجأة سيارة سمراء .. يشعر بقلبه يدق .. قلبه يقع في صدره .. حين رآها ترمي ببعض نفر .. مدججين بالسلاح .. يجروا في انتشار , خاطف , وسريع في كل اتجاه .. انزووا , غاصوا .. اختفوا في وسط الزحام ..... بلع ريقه الناشف في حلقه , بصعوبة.. جفّف عَرَقه الخارط , المتساقط على جبينه .. وصدغيه , انحنى قليلاً ..غطّي شيئاً كان يبتاعه .. بحث في جيبه عن سيجارة وعلبة " الكبريت " أحس كدبيب النمل يسري في جسده .. والتعب يضرب برجليه ويعصف بعقله .. جلس القرفصاء .. في حذر شديد .. ضائقُ صدره .. وهو ينظر في ترقب , وحذر .......
ويمر الوقت بطيئاً جداً , كسلحفاة عجوز عمياء عرجاء .. وكان الباعة الجائلون منزوون بجواره.. يبيعون خلسة للناس .. وكأن الأمر بالنسبة لهم لعبة مضحكة.. بينما يراها هو سخيفة .. أو خديعة من المعنيين بالأمر حتى لا يجلسوا في الشارع .. لبيعوا مثل كل يوم .......
بينما هو كان جالساً القرفصاء .. عيناه تدور في محاجرها .. يدير في رأسه كل شيء .. منحنياً في حذر على إنائه , وكل الاحتمالات الممكنة , والغير ممكنة , والسيناريوهات التي سيقوم بها مطروحة في رأسه.. متحفزاً , ومنتظراً .. قدوم هذا لأتي .... ؟؟؟!!!....
***************************